فلسطين: اسم يوناني أطلق على هذا الجزء من سورية الممتد من البحر المتوسط إلى بادية الشام وأول من أطلقه هو هيرودوت، أما الاسم العبري للأراضي التي تقع غربي نهر الأردن فهو كنعان.

وبعض الجغرافيين العرب يقولون: إن اسم فلسطين هو في الأصل اسم ولد من حفدة نوح سميت فلسطين باسمه، ويسلسلون نسبه إلى نوح فيقولون: فلسطين بن سام بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام !! ويقول فيليب حتي: اسم فلسطين أتى من اليونانية، وإن أصله اليوناني هو: فلسطيا، ويقول أيضًا: (إن هذا الاسم متصل بذكرى الفلسطينيين - الهنود الأوروبيين الذين هاجروا إلى المنطقة الساحلية في القرن الثالث قبل الميلاد).

ويقول جواد علي: (إن العماليق هم سكان فلسطين القدامى، وإن من ذريتهم أبناء فلسطين الحاليين).


والجمع بين ما يقوله فيليب حتي، وما يقوله جواد علي يقتضينا أن نعتبر الفلسطينيين القدامى خليطًا، منهم العرب العاربة من أبناء الكنعانيين ومنهم العرب المستعربة، ومنهم أبناء المهاجرين من شواطئ «بحر إيجة».

هذا القسم فلسطين وشرق الأردن يحده اليوم من الجنوب المملكة العربية السعودية، وخليج العقبة، وسيناء، ومن الشرق بادية العراق، ومن الشمال سوريا ولبنان ومن الغرب البحر المتوسط وسيناء. ويقول ياقوت الحموي: فلسطين هي آخر كور الشام، وقصبتها «القدس»، ومن مشهور مدنها «عسقلان»، و«الرملة»، و«غزة»، «وارسوف»، «وقيسارية»، و«نابلس»، و«أريحا»، و«عمان»، و«يافا»، و«بيت جبرين» ومن هذا القسم: فلسطين التي احتلتها إسرائيل.

وهذا الإقليم ينقسم إلى أربع مناطق هي كالآتي:

(1) السهل الساحلي ويسير محاذيًا للساحل.

(2) الهضبة الغربية ويقسمها سهل «جزريل»، وسهل جزريل يقال عنه: إنه المفتاح الإستراتيجي لغزو «كنعان».

(3) وادي الأردن، وفي هذه المنطقة بحيرة لوط التي تنخفض عن مستوى البحر بمقدار ( 600) قدم كما يقولون.

(4) هضبة الأردن وتشقها عدة أودية ولقد ذكرنا أنهار هذا الإقليم عندما تكلمنا عن أنهار سورية الكبرى، مثل اليرموك والأردن.

(5) وفلسطين تزخر بالمدن التاريخية، فمن مدنها مدن يرجع تاريخ إنشائها إلى ما قبل التاريخ كمدينة «حبرون» التي كانت تسمى قرية أربع، وكمدينة «شكيم» التي تسمى الآن «نابلس»، والتي نزلها إبراهيم عليه السلام، وكمدينة القدس التي بناها ملك اليبوسيين العربي «ملكي صادق» ومن مدن فلسطين مدن كنعانية بدأت أسماؤها بأسماء عبرية في أيام بني إسرائيل. ومن مدن فلسطين التاريخية التي لا تزال عامرة إلى اليوم مدينة «راموت جلعاد» وهي: الصلت (السلط)، وربة عمون وهي عمان، و«حشبون» وهي «حسبان»، و«كيرمواب» وهي «الكرك».

(6) وفلسطين من الأقاليم القلائل التي ما فتئت منذ أن سكنها الإنسان ميدانًا للأحداث والحروب. فقد شهدت أرضها حروب الإرميين والحثيين، وحروب العماليق والإسرائيليين، وحروب الفراعنة والآشوريين، وحروب اليونان والفرس الكاشانيين وحروب الأنباط والرومانيين، والفتوحات الإسلامية، والغارات الصليبية. وها هي ذي أرضها اليوم مجزأة، منها حكومة شرق الأردن ومنها غزة التابعة لمصر، والتي أصبحت من الأرض المحتلة، ومنها فلسطين المغتصبة، وهي القسم الذي احتله اليهود بسلاح الاستعمار الغربي ونفوذه، وها هم أولاء أهلها اليوم مشردون في كل بلد عربي.

هكذا تجد فلسطين اليوم إذا بحثت عنها في خارطة العالم العربي ممزقة تحاول إسرائيل فصلها عن التاريخ العربي القديم وصبغها بلون غير عربي مما لم يتم لدولة أنبياء إسرائيل، فشعب موسى الذي تبعه من مصر هو من أمة «يوسف بن يعقوب» وأمة يوسف إسرائيليون من أبناء إسرائيل وساميون عماليق من سكان مصر الأقدمين وممن اختلط بهم، وشعب «داود» و«سليمان» في فلسطين منهم العرب الذين كانت لهم شخصيتهم ومكانتهم في دولة بني إسرائيل الفلسطينية، ومنهم حفدة الذين فروا مع موسى من مصر. وكانت قيادة الجميع في أيدي أنبياء بني إسرائيل حفدة يعقوب. فلم تكن دولة أنبياء بني إسرائيل دولة عنصرية.

وإقليم فلسطين من الأقاليم القلائل التي اكتظت بالسكان منذ عصورها القديمة، فهو من أجمل المناطق جوًا، وهو من أحسن المناطق مركزًا في زمن الحضارات القديمة. فهو همزة الوصل بين الكنعانيين في الشمال، وبين ثمود وعاد وجرهم ومعين وسبأ حمير في الجنوب، وبين الحمورابيين والآشوريين في الشرق، وعماليق مصر في الغرب، ولا تزال فلسطين تحتفظ بميزاتها من عصورها الماضية إلى عصرها الحاضر.

وفي أرض فلسطين: البيت المقدس ثالث المساجد التي تشد الرحال إليها، وفيه مقدسات اليهود والمسيحيين، وفلسطين مهاجر «إبراهيم» الذي كان يدعو الناس فيها. أن اعبدوا الله رب العالمين، وبلد يعقوب وبنيه، وعيسى وحوارييه وهي قبل ذلك مهد من مهود العروبة من بداية تاريخها.

فلا غرو أن اكتظت جبالها وسهولها بالسكان من قديم الزمان ولا غرو أن رأينا الظنون تؤيد القائلين بأن سكان فلسطين في عهودها الغابرة لا يقل عددهم عن سكانه اليوم الذين يزيدون على (2.800.000) مليونين وثمانمائة ألف، على ما تذكره إحصائيات الجغرافيين إلى ما قبل بضع سنوات.

ولقد كان سكان فلسطين قبل سنة 1948 يبلغ عددهم حوالي مليون وثمانمائة وواحد وتسعون ألفًا على النحو الآتي:

155.000 مسيحي.

600.000 يهودي.

1.120.000 مسلم.

16.000 عناصر مختلفة.

أما بعد عام 1948 فقد اختلف الحال، وليس هناك إحصاء حقيقي بعد هجرة الفلسطينيين بفعل الحروب العربية اليهودية.

1957*

*مؤرخ وباحث وصحافي سعودي «1909-1984».