إن من أصعب ما يواجه ربان أي سفينة هو أن يتجه للوجهة الصحيحة وإن كانت عكس التيار تفادياً للارتطام بالصخور أو الانسياق نحو الضياع ، هذا هو بالتحديد ما ظهرت لنا نتائجه جليةً في ميزانية هذا العام ، عبر ما ينتهجه بحول الله وقوته خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ، يعضده ولي عهده الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله ووفقهما لرعاية مصالح أمتنا في بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية ، ولست هنا مبتغ تقديم تحليل اقتصادي أو قراءة رقمية فقد وفى ذلك الخبراء المنصفون ولكن .. انبثاق هذه الميزانية بوعي محدد الاتجاه جعلني استحضر رؤية نبي الله يوسف على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، تلكم الرؤية التي أنقذ بها الله أمة كاملة من هلاك محقق كان سيكون لو لم يقم الربان برسم خطط واضحة وممكنة التطبيق ، اجتمع فيها سبر الواقع ، واستشراف المستقبل ، وطموح الحلول ، ووضوح الأهداف ، وإن شئت فقل بلغة العصر : التخطيط الاستراتيجي المبني على معلومات يقينية صادقة حقيقية ، وتمعن وأنت تعيش عصرنا الحاضر ، بل وأنت ما زلت تسمع صدى تطبييقات الرؤية الملكية المباركة من خلال هذه الميزانية ، تمعن فيما حدث هنا واربط : ( يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ، قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ ، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) يوسف 46-49، فالتخطيط هنا واضح في معالمه : زيادة في الإنتاج يقابلها تقليل في الاستهلاك لينتج عن ذلك وفرة المدخرات ، ثم عند ضعف الإنتاج يلتفت إلى المدخرات لمواجهة تحدِ يعتمد فيها على ترشيد الإنفاق لكي يُستبقى من الأصول ما يمكن البناء عليه لاحقاً باستثمار ما أبقي من المدخرات ، من أجل نهضة اقتصادية مستدامة وحياة راغدة هانئة ، أو ما نسمية كما في أحد مستهدفات الميزانية من ثمار الرؤية ( جودة الحياة )، ثم و لتستكمل المشهد المدهش الرائع المتقن لهذه الرؤية ، تمعن مرة أخرى في أمر هام الإيجاد ، حين تنتقل الرؤية من جدارة التنظير إلى إدارة التنفيذ ، وليتولى عراب الرؤية - إن صح التعبير- إدارتها : (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) يوسف 55، وهنا تبرز فضيلة ترشيح الذات لما فيه مصلحة الوطن فيما لا يصلح له غيره ، وهنا أيضاً تكمن أهمية الثقة بالنفس المعززة بصلاح العلاقة مع الله ليكون التمكين (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ).
فاللهم بارك لنا فيما رزقتنا و أدم علينا أمننا وإيماننا وسلمنا وإسلامنا ووفِّق اللهم ولي أمرنا وولي عهده لما تحبه وترضاه وبارك لهما في أعمارهما وأعمالهما آمين ، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه اجمعين .