يطلق المزارع محمد سمحان آل منصور تنهيدة طويلة وهو يتابع دخانًا متصاعدًا من جرار حراثة يغرس سكته في أرض زراعية ويقلّب تربتها في موسم الحراثة في نجران، مستذكرا حال الأجداد في المنطقة في مثل هذا الموسم، وكيف كانوا يسبقون خطوط الفجر الأولى وينطلقون في جماعات مرددين دعواتهم (ياالله على بابك ولا خاب طلابك)، مصطحبين معهم أدوات الحراثة وثورًا أو عدة ثيران، وأحيانًا حميرًا وثقوا إليها أداة الحرث، وما إن يصلوا إلى مزرعتهم حتى تبدأ عملية الحرث حيث يقوم أحدهم وآخر معه بالوقوف على أداة الحرث والإمساك بالحبل، وبيد أحدهما عصا طويلة لحث الثور أو الحمار على مواصلة التحرك.

وقال «كانوا يغرسون أداة الحرث داخل التربة، ويرددون عددًا من الأناشيد والأبيات الشعرية التي اعتادوا التغني بها وترديدها جماعات وبألحان شعبية حماسية، كما يرددون أيضًا الغرملة (وهي نوع من الأناشيد النجرانية التي تشبه الموال، حيث يموّل أو يغرمل أحدهم ببيت ويرد عليه الآخر ببيت)، ويستمرون في العمل لساعة أو ساعتين قبل أن يأخذوا قسطًا أول من الراحة تكون الزوجة أو الأم أو الابنة قد حضرت معه وجبة الإفطار الشعبية وهي تتألف غالبًا من البر والسمن أو المرضوفة، ومعها القهوة المعدة من البن اليماني المحموس، وكذلك دلة القشر والماء».

وتابع «بعد أن ينتهي الحراثون من الإفطار يعودون إلى العمل الذي قد يستمر حتى قبل صلاة المغرب، ثم يعودون إلى منازلهم وقد أنهكهم التعب ليناموا ويعودون فجر اليوم التالي لإكمال ما بدأوه في الأمس».


آلات الحراثة

عرف الإنسان الحراثة منذ آلاف السنين، وقد بدأها مستخدمًا أدوات بدائية كالعصي وجذوع الأشجار المعكوفة والتي تأتي على شكل علامة صح، وكذلك الأحجار، كما استخدم عددًا من الحيوانات لمساعدته في هذه المهمة كالأبقار والثيران والجمال والخيول والحمير.

ومع تطور العصر وبعد الثورة الصناعية تغيرت أدوات الحراثة وبات الجرار الزراعي من أهمها، ويقول آل منصور «يطلق العامة في منطقة نجران اسم الحراثة على الجرار الزراعي، وتتنوع المحاريث المستخدمة، ومن بينها:

عملية أولى وأساسية

يؤكد مدير عام البستنة بمنطقة نجران يوسف آل جريب أن الحراثة هي العملية الأولى والأساسية مع بداية زراعة أي محصول، وهي عمل فيزيائي يحسّن الخصائص الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية للتربة، فقد يكون عميقا يسمح بجعل آفاق التربة السفلية الى الأعلى خاصة أفق الترسيب الذي تتراكم فيه الأملاح المعدنية التي حملتها مياه الأمطار أو مياه الري إلى الأعماق، كما يسمح بتهوية التربة وزيادة مساماتها ويقتل النباتات الضارة والطفيلية، وقد يكون غير عميق يهدف لتقليب التربة لطمر البذور وخلط مكوناتها وتفتيت المدر الكبيرة بعد الحرث العميق.

وتحقق الحراثة فوائد عدة حسب آل جريب، منها كسر الطبقات الصلبة غير المنفذة تحت سطح التربة، والقضاء على الحشائش، والمساعدة على تهوية التربة ما يساعد على احتفاظها بالماء، كما يساعد كذلك على تجانس توزيع الأسمدة، ويعرّض الجراثيم والحشرات لأشعة الشمس ويقضي عليها، ويسهل العمليات الزراعية اللاحقة.

وبين أن عدد الحراثات تحددها جملة عوامل منها طبيعة الأرض، حيث تحتاج الأرض القويّة المُندمِجة إلى تكرار الحرث بينما تقلّ الحَاجة إلى ذلك في الأرض الخفيفة، كما تزداد الحاجة إلى الحرث في الأقاليم الرطبة الندية، وتلعب حالة الزرع السابق دورًا مؤثرًا في الحرق، فإن كانت مزروعة سابقًا بالحبوب فإنها غالبًا ما تكون ملوثة بالأعشاب وتحتاجُ إلى الحَرث عِدّة مرّات، كما يؤثر نوع النبات المراد زرعه، فلو كان من ذوات الجذور العميقة أو التي تحتاج إلى وفرة الغذاء ازدادت الحاجة إلى الحراثة.

الوقت الملائم

حول الوقت الملائم للحراثة بيّن المزارع سداح آل حيدر أن ذلك يعتمد على عددة عوامل منها نوع التربة والمناخ والمحاصيل المراد زراعتها، ولكن في العموم تُجرى الحراثة في فصل الربيع قبل زراعة المحاصيل الصيفية، وفي الخريف قبل زراعة المحاصيل الشتوية.

وشدد على أهمية أن تكون التربة رطبة بما يكفي لتسهيل الحراثة وتجنب تشكل كتل التربة الجافة التي يصعب تحريكها، كما حذر من احتمال وجود تربة قابلة للتآكل أو تعاني من التآكل بسبب الحرث المفرط.

أنواع من المحاريث

• المحاريث القلابة:

1/ المجنح: له سكين مدببة من أسفل ويكون عدد السكاكين معتمدًا على القوة الساحبة وهو في العادة من 2 إلى 4 سكاكين.

2/ القرصي: عدد سكك الحراثة عادة 3 وقد يصل إلى 6 في حالة وجود قوة ساحبة مجنزرة، ويستعمل في الأراضي الصلبة ولا يفضل في الأراضي الملحية.

• المحاريث الحفارة:

1/ المحراث المسنن الشوكي: يتعمق في التربة أكثر من 25 سم، ويثير التربة دون قلبها لذا فهو ملائم للأراضي الملحية.

معدات تستخدم لتنعيم التربة

• الأمشاط القرصية:

أقراص مقعرة قطرها بين 35 - 50 سم في هيئة مجاميع متوازنة ومتبادلة فيما بينها، تتعمق في التربة إلى 10 سم واختلاف اتجاهات الأقراص يزيد كفاءة العملية.

• الأمشاط ذات الأسنان:

مجموعة من القضبان الحديدية بطول 20 - 30 سم موضوعة بصورة عمودية على هيكل المشط ومتبادلة فيما بينها، لا تستخدم في الأراضي الصلبة ذات الحشائش التي بها عوائق.

• الأمشاط ذات الأسنان المرنة:

كسابقتها في التركيب ومصنوعة من الحديد المرن وأسنانها مقوسة وحافتها عريضة ومسطحة.

• الأمشاط ذات الفؤوس الدوارة:

يتستخدم للتخلص من الحشائش المعمرة والتنعيم.