ثمة ثغرة كبيرة بدأت تظهر في الفترة الأخيرة بين فهم البعض للإسلام وبين الإبداع والفن، وإن كان هناك حالات قديمة فهي بالكاد تذكر، لكن الحالات الحديثة صارت تتزايد تدريجيا خاصة بعد وصول جماعات الإسلام السياسي إلى الحكم في أكثر من بلد عربي مثل مصر وتونس، لكن الأكثر خطورة تلك الدعوة التي أطلقها شيخ تونسي – وهو رئيس لهيئة علمية – في خطبة الجمعة مطالبا فيها بـ"قتل" الفنانين التشكيليين الذين اتهموا بالإساءة في لوحاتهم إلى المقدسات. وقد تجاهل الشيخ أن المسألة ما زالت اتهاما، وتجاهل أيضا أن فهم الأعمال التشكيلية يختلف من شخص إلى آخر، فما يراه أحدهم "كفرا" قد يراه آخر "إيمانا"...

إلى ذلك، ليس من صالح جماعة "الإخوان المسلمون" وبالتالي المسلمين الذين يفترض أن الجماعة تنتمي إليهم أن يظهروا بصورة المتشددين المكفرين الداعين لقتل من يخالفهم أو يختلفون معه فكريا، فالحقيقة ليست ملكا خالصا لهم، وكذلك الدين بمفهومه الشمولي الذي جاء للبشرية جمعاء وليس لتيار بعينه يدعي امتلاكه والذود عنه.

إشكالية "الإخوان" أنهم لم يكتفوا باستلام السلطة، بل صاروا يريدون السيطرة على العقول وتسييسها بفكرهم، وبرغم أن "إخوان" تونس كانوا إلى حدٍّ ما أذكى من "إخوان" مصر، إذ دخلوا اللعبة السياسية وقرروا التمدد تدريجيا أي إنهم لا ينوون السيطرة على كل شيء دفعة واحدة بدليل أنهم أعطوا الرئاسة لمثقف ليبرالي هو "منصف المرزوقي" ما جعل أمورهم تكون أكثر هدوءا. بينما "إخوان" مصر ما إن لاحت لهم منافذ السلطة حتى قرروا أن يكونوا في كل مكان منها، فسيطروا على مجلس الشعب وتراجعوا عن وعودهم وانطلقوا باتجاه الرئاسة.. وبعدها الوزارات وغيرها من مراكز القرار، ما سيضعهم في مأزق لاحقا لعدم وجود تجربة لديهم في إدارة الحكومات.

تصريحات الرئيس التونسي منصف المرزوقي الأخيرة حول ما يتردد في بلاده عن إهدار دم الفنانين جاءت واضحة، فالإبداع يعني الحرية، وتونس الجديدة لا مكان فيها لـ"المكفّرين" ومحتكري الدين، وقول المرزوقي في البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية "لا لإهدار دم الفنانين.. ونعم لحرية الرأي والإبداع" يشير إلى أن مكتسبات الثورة يصعب التخلي عنها، ولذلك جاء التهديد باتخاذ "إجراءات تأديبية ومتابعة قضائية لكل الأشخاص الذين صدرت عنهم مثل هذه الدعوات، أو ستصدر في المستقبل، وذلك أيّاً كان موقعهم، وانتماؤهم السياسي أو العقائدي"..

كل ذلك يؤكد أن على "الإخوان" ومن يفكر على طريقتهم أن يكونوا أكثر حذرا في زمن "ربيعي" تغيرت معطياته، وأن يفهموا أن "الديمقراطية" التي قادتهم للسلطة قد تخرجهم منها إن نفر الشعب من سلوكياتهم.