فما حصل مع الجيل الذين هم في منتصف أعمارهم أنهم كانوا يدخلون حياة غير حياة آبائهم، وبالتالي لا بد أن تكون نشأتهم منسجمة مع الحياة التي يعيشونها، والتي ستكون أخف وطأة، ولو كابدوا مرارة الحياة ثم عاشوا حياة أهدأ من ذلك لحدثت لديهم فجوة نفسية بين ما عاشوه وبين ما يعيشونه الآن، فكذلك الحال مع أبنائهم، فهم يحضّرون لحياة مختلفة عن حياة آبائهم، ومن المتوقع أن تكون حياتهم المستقبلية منسجمة مع هذه الأجهزة التي يعكفون عليها ليل نهار، فربما أن الحياة المستقبلية لهم بإنتاجها وعملها هو العكوف على هذه الأجهزة أو أجهزة مثلها لعدة ساعات، بل ربما يمارسون حياتهم الاجتماعية من خلالها ولذا لابد أن يتأقلموا من الآن.. فالمولى -عز وجل- يسيّر الأجيال حسب ما قدره لهم وليس بحسب ما يراه آباؤهم، ولهذا لا أميل كثيرًا لهذا التضجر الحاصل.. ولهذا مما نقل قديمًا عن أحد الحكماء قوله «لا تجبروا أولادكم على أعرافكم فإنهم خلقوا لزمن غير زمانكم»، وهذا في أزمنة يقل فيها الاختلاف كثيرًا بين الأجيال إلا عبر قرون، فكيف بهذا التطور الحاصل بداخل الجيل الواحد.
الشيء الوحيد الذي يجب أن يُربوا عليه ويُحثوا عليه ما هو ثابت عبر أجيال البشرية ولا يتغير وهو القيم الإنسانية، والتي تتساوى فيها جميع المجتمعات والأمكنة والأزمنة، وإن تغيرت طريقة ممارستها أو طريقة ظهورها، كالعدل والرحمة والأمانة والإيثار والإنصاف والصدق والمعونة والأخلاق الحسنة بين البشر.. وكذلك أفعال معظمة ولكنها دونها كحب العمل والإتقان والإنتاج والاعتماد على النفس فهذه داعمة لعمارة الأرض، فهذه القيم الإنسانية والأفعال المعظمة هي ما يجب أن تُلقّن للأبناء بعبارات صريحة وموجهة، ولكن وللأسف قلما نجد من الآباء من يذكرها ويرددها بنفس الطريقة السابقة، وهذا ما يجب أن يتنبهوا له، وأن يدعموها بنماذج حية أو ممارسات أمام الأبناء كي يتشربوها؛ فهي إن بقيت فلا يضر كثيرًا تخلف غيرها.