شباب الوطن يمثلون أكبر شريحة في مجتمعنا وطاقاتهم الفكرية والبدنية تحتاج تأهيلاً أكاديمياً وتطبيقياً، وكل مواطن له الحق أن يحرص على نجاح أي مؤسسة علمية داخل هذا الوطن المعطاء وتحقيق أهدافها بما يتناسب مع طاقات هؤلاء الشباب بنقلهم تأهيلاً إلى سوق العمل دون عناء أو هدر في ظل زمن نهضة متسارع لا يعرف سوى الإنجاز المعرفي طريق بناء الشعوب والحضارات.

المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في وجهة نظر الكثير جدلٌ لا ينتهي بدءاً من منسوبيها وخريجيها إلى الحلقة الأهم والأضعف وهي المخرجات.

وأي مؤسسة علمية قد تفتقد الوضوح والتخطيط والموازنة وعدم تمكنها من ترجمة الاستراتيجيات إلى واقع ملموس يجردها من الثقة وعدم رضى منسوبيها أو طلابها، وعند وجود جوانب خلل فلابد من سبر أغوار ذلك وتحليله بما تجده من أدلة حسية أو معنوية من داخل المؤسسة أو خارجها، فالمعلومة وإن صغر حجمها قد تكون سببا في قرار كارثي يضر هدراً للوطن وأجياله.

أنثر هنا سلة ثقيلة محملة بهموم الآلاف من منسوبي المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني أو طلابها أو خريجيها.

أولاً: العبث بالمصطلحات العلمية ربما (هروباً) من كلمة التعليم وارتباطها بالتعليم العام أو التعليم العالي وإحداث تغييرات أدت إلى تدني مستوى التدريب والمخرجات حتى تم تغييرها من المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني إلى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني فالمؤسسة تخلت عن "التعليم" وركزت على "التدريب"، وأدى هذا التهرب من هذا المصطلح إلى تسرب مليارات وكوادر ومخرجات تعاني، فالمسلم به علمياً أنه لا يستطاع التدريب قبل أن تسبقه تكوينات لمحتوى التعليم المعرفي الذي يؤدي إلى مهارة "تطبيقية" عالية.

ثانياً: من مسلمات المعرفة وأولويات متطلبات سوق العمل في عصرنا إتقان اللغة الانجليزية، وفي المؤسسة كان هناك تصور لخطةٍ علمية عملية قبل سنوات تبدأ بفصل تحضيري يتم التركيز فيه على الإنجليزي والحاسب، ويكون التدريس لمعظم المناهج باللغة الإنجليزية، وأسفاً لم يكد يتخرج طالب واحد من نتاج هذه الخطة ألا وقد تم إلغاء تلك الخطة لنعود مربعاً أولاً مع تغيير الهرم بالإدارة الحالية ليتم استبدالها بخطط جديدة أو سعت الهوة نحو شبح البطالة.

ثالثاً: بلد بحجم المملكة وإمكاناتها واحتياجاتها وطاقاتها البشرية والمادية لا يوجد فيها "تعليم" فني أو تقني بدءاً من إلغاء الثانويات الصناعية والتجارية الركيزة المهمة صناعياً في كل الدول المتقدمة وكثير من النامية التي توجد بها مئات الثانويات التقنية والصناعية المهنية، ولإفرازات إلغائها افتقدنا التأهيل المهني علمياً إضافةً إلى ضم مدربيها إلى الكليات مؤدياً لزيادة مهولة في عدد المدربين اضطر بذلك إلى فتح أكبر عدد ممكن من الكليات الجديدة ليستوعب هذه الأعداد بطريقة عشوائية وهدراً واضحاً.

رابعاً: توسع سريع وخيالي لوحدات المؤسسة تسبب في إنشاء كليات في مناطق نائية تستجدي الطلاب للالتحاق بها في هدر صريح لميزانية سنوية تنتقص من مليارات الدولة، فعلى سبيل المثال القيام بإنشاء كلية تقنية بمدينة تنومة مع أن هناك كلية أخرى تبعد عنها 6 كلم فقط في مدينة النماص!

ومن ضرر التوسع مقابلةً نتاج سوءٍ في تصميم المباني وإنشائها نجم عنه وجود مقار غير مهيأة رغم أن بعض المشاريع لم يتم الانتهاء منها بعد مثل كلية سراة عبيدة والمعهد المهني بمدينة أبوعريش!

خامساً: التوسع الغريب نتج عنه انتشار المحسوبية والنعرات المقيتة وسيطرتها على كثير من المجالس بحيث يتحكم رئيس المجلس أو عميد الكلية بالطاقم الإداري الذي يعمل معه من مدربين مفرغين أو من إداريين في الأصل مما يسبب مشاحنات ويؤدي إلى تثبيط المدربين وإهمال العملية التدريبية وهذا الأمر يشتكي منه الكثيرون في عدد من كليات المؤسسة، ويؤكد ذلك إحدى كليات التقنية في مدينة جنوبية مثالاً حيًّا حيث جيّرت 7 مقاعد من أصل 9 بمناصب أعضاء إدارة الكلية من أفراد قبيلة عميد الكلية!

سادساً: عزف قادة الكليات والصف الثاني من المسؤولين على وتر الإخلاص في العمل ولديهم خرق واضح ومخالفة صريحة للمادة رقم (35) من تنظيم المؤسسة الجديد والذي يقضي بأنه لا يقل ما يؤديه العميد والوكلاء عن ثلاث ساعات تدريبية وكذلك رؤساء الأقسام عن 6 ساعات فهل يقومون بتنفيذ هذه المادة؟

أما ما يخص الهدر البشري من الكوادر والطلاب فسيكون موضوعي في مقال قادم بإذن الله.