وقبل الدخول في تفاصيل الفوز الذي كان متوقعا عطفا على العديد من المؤشرات والدلائل، لا بد من التطرق لعناصر التفرد التي احتوى عليها ملف الترشيح السعودي، الذي جاء متكاملا للحد البعيد، ولم يترك شاردة ولا واردة إلا وتطرق إليها وأوفاها حقها من التفصيل، للدرجة التي لم تدع فرصة لأي تساؤل، فقد كانت كل المعلومات متاحة وفي متناول الجميع.
من أبرز عناصر القوة في الملف أن عدد من سيشاركون في فعاليات المعرض – وفق ما هو مخطط له – يعتبر غير مسبوق على الإطلاق، حيث يتضمن 226 مشاركاً رسمياً، موزّعين على 196 دولة، بالإضافة إلى السعودية و29 منظمة دولية، وهو مؤشر بالغ الوضوح على أن المملكة ترغب في استقطاب جميع دول العالم للمشاركة في هذ المحفل الفريد. كما تمت إتاحة الخيار للدول المشاركة لبناء أجنحة خاصة بها أو استئجار إنشاءات جاهزة.
حتى الدول التي قد لا تملك الإمكانات المالية التي تؤهلها لتمويل التكاليف الضرورية للمشاركة مثل تكلفة إنشاءات الأجنحة فإن هناك خططاً جاهزة لمساعدتها على ذلك، وقد أعلنت السلطات السعودية المسؤولة تخصيص مبلغ 353 مليون دولار لتقديم الدعم لأكثر من 100 دولة نامية للمشاركة والاستفادة من هذه المناسبة التي تعد الأكبر على مستوى العالم.
هذا النهج الذي يدعو لمساعدة الدول الأقل نموا على تحقيق الازدهار تبنته المملكة في كثير من المجالات الأخرى، منها على سبيل المثل لا الحصر الجهود التي بذلتها خلال رئاستها لمجموعة العشرين، حيث سعت في كثير من المناسبات لمساعدة تلك الدول على جدولة ديونها والحصول على إعفاءات. كما أعلنت خلال القمة السعودية الإفريقية الأخيرة تقديمها دعما بمليارات الدولارات لدعم المشاريع التنموية بدول القارة السمراء.
أما محور «الازدهار للجميع» فقد أوضح للمتابعين الجهود التي تبذلها المملكة لتحقيق عالم شامل يتمتع أفراده رغم اختلاف أجناسهم وأعمارهم بفرص متساوية في التعليم والعمل في أي بقعة جغرافية كانوا، ويرتقي بالحلول التي تلبي الاحتياجات الإنسانية للكل، مع إيلاء مزيد من الاهتمام للمهاجرين واللاجئين وضحايا الحروب والكوارث الطبيعية والتصدي لكل مظاهر اللامساواة والتمييز.
أما على صعيد المنظّمات الدولية، فإن مشاركة هذا العدد الكبير من المنظمات في أعمال المعرض كان مقصودا ولم يأت عن طريق الصدفة، حيث يحمل العديد من المؤشرات والأهداف، فهي في الأساس ستكون منظمات غير حكومية تمثل جميع جوانب المجتمع المدني، وتعمل في المجالات الأكاديمية والعلمية والإنسانية والثقافية ولها إسهامات مشهودة. لذلك يمكن الاستفادة من خبراتها لتقديم محتوى هادف يثري تجربة قاصدي إكسبو الرياض 2030.
ومن أبرز ما ركّز عليه ملف الترشيح السعودي الاستثمار في الغد واستشراف المستقبل، وهو ما يعد بمثابة دعوة للتعاون الدولي والتكامل والتنسيق وبناء الخطط لتحقيق الغد الأفضل، والتعامل بفاعلية مع التحديات والآفاق الناشئة عن عصر التغيير الذي يعيشه الكوكب، والاستجابة للمتغيرات الكثيرة التي تفرضها الظروف الدقيقة التي يعيشها العالم في الوقت الحالي، والتي أفرزت وجود حاجة كبيرة لتسريع الجهود نحو توافقٍ عالميٍ واسع النطاق.
أيضا فقد نالت جهود المملكة في التجاوب مع الجهود الرامية للحفاظ على البيئة اهتمام من شاهدوا الملف، فالمملكة رغم أنها أكبر منتج للنفط في العالم إلا أن ذلك لم يمنعها من التركيز على استخدام وسائل الطاقة المتجددة، وتبني السياسات الهادفة لتقليل الانبعاثات الكربونية، والتصدي للسياسات التي تتسبب في هدر الموارد الطبيعية والمياه الجوفية وتؤدي لزيادة الجفاف والتصحر، ولم تكتف المملكة بذلك بل حثت دول العالم على اتباع نفس الإجراءات ومدت يد المساعدة في هذ الصدد.
كما ركز الملف على النجاحات التي حققتها المملكة في محاربة الإرهاب والتشدد، وجهودها المتواصلة لتعزيز قيم التسامح والتصدي لدعوات الكراهية والإقصاء، وتحقيق التفاهم الأكبر من خلال الحوار بين أتباع الأديان والحضارات لمد جسور التفاهم والتسامح.
لذلك يمكن القول إن المملكة تتأهب لتقديم نسخة استثنائية من هذا المحفل العالمي، تستشرف فيها آفاق المستقبل المشرق، وتستعرض حاضرها المزهر، وتحكي عن ماضيها العريق، لتقدم نسخة تبقى للذكرى للزوار الذين يتوقع أن يتجاوز عددهم 40 مليون زيارة ومليار زيارة افتراضية.
وإن كان الملف قد أفصح عن بعض خطط السعودية وتوجهاتها المرتبطة بالمعرض، فلا شك أن القادم سوف يكون أجمل، فالإبداع في عرف السعوديين لا يعرف الثبات والجمود، بل هو صناعة متغيرة ومتجددة، وعندما يقام المعرض سوف يرى العالم كله كيف أن الإنسان السعودي يمتلك كافة مقومات الإبداع، وتجعلهم يدركون أن المملكة ليست أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، بل هي مجتمع عصري يمتلك مقومات الانطلاق والتطور والازدهار، لذلك ينطبق عليها تماما الوصف الذي ذكره ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – عندما قال إن السعودية هي أعظم قصة نجاح خلال القرن الحادي والعشرين.