كل مولود يولد قبل إتمام أسبوعه السابع والثلاثين من الحمل هو طفل خديج، وتختلف درجته، فهناك من هو شديد الخداجة، وهو من يقل عمره الرحمي عن 28 أسبوعا، والخدج جدا الذين يولدون ما بين الأسبوع 28 - 32 من الحمل، والخدج المتأخرون الذين أعمارهم الرحمية ما بين 32 - 37 أسبوعا.

في 17 نوفمبر الحالي، احتفل العالم بـ«يوم الخديج العالمي» تحت شعار «أفعال صغيرة ذات أثر كبير»، يتميز هذا اليوم باللون الأرجواني الذي يرمز إلى الحساسية والاستثناء. نعم الخدج بشر حساسون جدا، واستثناء من كل شيء مزعج في هذا الكون، يولدون قبل وقتهم، لأنهم متميزون، متحمسون للحياة، فيبدأون المعركة من أجلها. وحينما ننظر للمعركة نجدها بين طرفين غير متكافئين، طرف بمنتهى الرقة والضعف وعالمٌ مليء بالجراثيم والضغوط، من رحم كانوا ينعمون فيه بالحب والدفء والأمان إلى عالم واسع ملىء بالمخاوف. وغالبا ما ينتصر هؤلاء الخدج بأقل الخسائر، فهناك دائما من يأخذ بأيديهم، من طاقم طبي ومختصين بطب حديثي الولادة. ومع التطور الذي يشهده هذا التخصص، والدراسات والأبحاث المتصاعدة في هذا المجال، زادت فرص حياة الخدج بشكل كبير. فبعدما كان أكثر الخدج يموتون مبكرا، حيث إن المواليد الذين تتراوح أوزانهم ما بين 700 - 800 جرام كانت فرص بقائهم أحياء 8 % فقط، مع وجود مضاعفات الخداجة مثل الأمراض التنفسية المزمنة أو اعتلال شبكية العين والإعاقات العقلية، زادت اليوم نسبة بقائهم أحياء، لتصل إلى 90 %، وأكثر من 64 % منهم لا توجد لديهم مضاعفات، وكلما قل العمر الرحمي زادت المضاعفات.

«ولد السابع يعيش لكن ولد الثامن لا!».. مقولة يتناقلها الناس، لا أعرف هل هي مشاهدات في حياتهم استخلصوا منها هذه المقولة أم مجرد كلام دايات (قابلات). بالعكس كلما أمضى الجنين في بطن أمه وقتا أطول زادت فرصه في الحياة، وقلت المضاعفات. نسمع بين حين وآخر عن خدج أعمارهم الرحمية ما بين 22 - 23 أسبوعا يعيشون في بعض وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة حول العالم، ولكننا لا نهتم بإنقاذ حياتهم فقط، بل أيضا بجودة الحياة التي سيعيشونها، ونادرا ما ينجو هؤلاء الخدج من مضاعفات الخداجة.


زاد عدد المواليد الخدج عالميا، فمن بين كل عشرة مواليد هناك مولود خديج. مثلا خلال 2020، ولد قرابة 13.4 مليون خديج حول العالم، حسب إحصائية منظمة الصحة العالمية، وربما كان لـ«كوفيد» دور في ذلك. لكن متوقعا بـ«كوفيد» أو دونها أن يزداد عدد الخدج بسبب تطور تقنيات الإنجاب. على سبيل المثال تحريض الخصوبة لدى السيدات من الممكن أن يُنتج عنه حمل متعدد تهدده ولادة مبكرة. كذلك زراعة أجنة عديدة في رحم الأم من الممكن أن تنتج عنها ولادة مبكرة، وحاليا لا يوصى بزراعة أكثر من اثنين من الأجنة للنساء اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 30 - 35 عاما.

أتذكر سيدة خضعت لعملية أطفال الأنابيب، وزرع الطبيب في رحمها أربعة أجنة ولدتهم في الأسبوع الرابع والعشرين، ولم تُكتب لهم الحياة، لشدة خداجتهم وحالتهم الحرجة.

وعلى الرغم من تطور رعاية الأمومة والطفولة، فإن بعض الولادات المبكرة من الصعب تفاديها، لكن من المهم جدا أن تتابع الأم، وتتلقي الإبرة المحرضة لنمو الرئة إذا كان متوقعا أن تلد قبل وقتها أو لديها بوادر ولادة مبكرة، فهذه الإبرة تقلل من نسبة الوفاة، وتُحسن وظيفة الجهاز التنفسي، وتقلل من نسبة حدوث نزيف الدماغ، ومضاعفاته بعد ذلك.

الخدج فئة مميزة، ولدوا قبل وقتهم ليسبقوا أعمارهم، وهناك عدد من العلماء ولدوا خدجا، ولم يصبحوا معاقين أو متأخرين على الرغم من عدم توافر الخدمات الطبية التي نملكها الآن في زمنهم. الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين، وإسحاق نيوتن الذي كان وزنه عند ولادته 900 جرام فقط، وعندما كبر كانت تمازحه أمه بقولها: «لقد كنت صغيرا جدا لدرجة كان بإمكاني وضعك في كوب قهوة».. هذا الصغير كبر وغيّر العالم بعلمه.

عالم الرياضيات والفلكي والفيزيائي الألماني يوهانس كيبلر ولد في الشهر السابع، وخداجته لم تؤثر في عقله وقدراته، بل كان نابغا وسابقا لعصره. لا أعتقد أن مولودا انتصر في معركة كان هو الأضعف فيها يمكن أن تخذله قدراته.