لا أبالغ إذا قلت إنني أعتبر مبادرة «الشريك الأدبي» من أفضل المبادرات الثقافية التي مرت على الوسط الثقافي في السعودية بل على مجتمعنا بشكل عام.

صدرت هذه المبادرة عن «هيئة الأدب والنشر والترجمة»، وتتلخص في تمكين المقاهي من المنافسة على تنظيم الملتقيات الثقافية تحت رعاية مباشرة من شركاء الهيئة.

ولا غرابة في إقبال المثقفين والشعراء على المشاركة في فعاليات الشريك الأدبي بل وتزايدهم موسماً بعد آخر.


من أهم مميزات المبادرة في رأيي أنها أحدثت حراكاً انتزع الثقافة من كونها فعلاً نخبوياً وحولها إلى مادة قابلة للتداول بين فئات المجتمع كافة وخارج الأطر الأكاديمية.

كما نجحت في تحويل الثقافة إلى مادة ممتعة تقدم للعائلات وتوفر مساحة لإثراء الحياة وتأسيس ذاكرة مشتركة للوقت والمكان.

في فعاليات الشريك الأدبي يمكنك ملامسة الشارع السعودي عن كثب، فترى التفاعل الثقافي بين الجنسين وكذلك بين الفئات العمرية والأشخاص متفاوتي الثقافات والاهتمامات، وأيضاً بين السعوديين والمقيمين من كل الجنسيات، فكأنما أتاحت مبادرة الشريك الأدبي للناس الفرصة لاختبار جدلية (الاختلاف) عن قرب وعلى أرض الواقع.

من جهة أخرى كشفت هذه المبادرة الذكية عن مزاج المجتمع واتجاهاته الثقافية والأدبية المتنوعة، وقدمت فرصة مواتية للشباب لإثراء قراءاتهم ولأصحاب المواهب الشعرية والسردية والخطابية للتعبير عن أنفسهم، كما ملأت بشكل أنيق جداً تلك الفراغات الفكرية التي نشأت كجزء من العولمة وتحولات العصر.

المقهى في رأيي التقاطة عبقرية، فالمقاهي كانت عبر التاريخ مكاناً مهماً لاجتماع المثقفين وتكريس الثقافة وترسيخ الاتجاهات الاجتماعية وتطبيع السلوكيات الحضارية وبناء مجتمع تفاعلي قابل للتطور ومحب للعطاء، وهذا ما لمسته بشدة من خلال تجربتي الشخصية مع مبادرة الشريك الأدبي.

ختاماً، بعد نجاح الشريك الأدبي، أرجو أن تحذو بقية الهيئات الثقافية حذو هيئة الأدب والنشر والترجمة، وتقدم للمجتمع مبادرات نوعية تتدفق من خلالها الموسيقى والمسرح والفنون في أمسيات المقاهي والفنادق والحدائق والمجمعات والمراكز الثقافية وكل الأماكن المتقاطعة بطبيعتها مع أنسنة الحياة. ذلك أن مجتمعنا بحاجة حقيقية لمثل هذه الفعاليات فما زال الانفتاح الثقافي لدينا في بداياته وحاضنات الأفكار والمواهب في أول مشوارها وأتوقع أننا سنرى مزيداً من الأفكار الخلاقة التي من شأنها العناية بثقافة المجتمع وتطلعات أفراده.