يستمر شعيب دحضة الأثري في منطقة نجران بإثارة الجدل الواسع بين خبراء الآثار والمهتمين بها وبعلومها، وذلك لجهة تحديد الفترة الزمنية للاستيطان البشري في منطقة نجران، حيث يستند كل منهم إلى عدد من الشواهد والقراءات والمواقع التي يحتل هذا الشعيب مركزا محوريا فيها.

ويعرف (شعيب دحضة) كذلك باسم (العجمة)، وقد عثر فيه على عدد من الشواهد والدلائل التي تعود إلى حقبة زمنية قديمة تمتد إلى آلاف السنين.

وتؤكد المهتمة بالآثار والسياحة حصة بنت مروان السديري، أن أقدم استيطان في نجران يعود إلى 1.2 مليون سنة في موقع شعيب دحضة، مشيرة إلى أن الممالك القديمة في نجران بدأت قبل 700 سنة قبل الميلاد، ولعبت دورًا مهمًا في سيطرتها على طرق التجارة. وأكدت السديري أن نجران تُعرف في التاريخ القديم بـ«رجمت» أو «رجمة».


و«رجمت» كانت عاصمة نجران القديمة التي وردت في عدد من النقوش القديمة، منذ آلاف السنين وهي تشكل نقطة مهمة في التجارة حيث كانت ممرًا مهمًا لطرق التجارة وقوافل (اللبان، البخور، وغيرها).

200 ألف سنة

يعقّب الدكتور علي النصيف من قسم دراسات الشرق الأوسط جامعة مانشستر على ما تذكره السديري، ويؤكد أن «نجران تعد من أقدم الأماكن التي استقر فيها الإنسان وذلك قبل 200 ألف سنة مستشهدا بقصاصة تعود لأحد البحوث المتعلقة بالآثار والتي من خلالها ذكر أن الاستقرار البشري كان واضحا منذ القدم كما هو حال بعض المناطق في جنوب غرب الجزيرة العربية، حيث تعد نجران من أقدم الأماكن التي استقر بها الإنسان وذلك من خلال الشواهد التي عُثر عليها في موقع (شعيب دحضة)، وهذه الشواهد تعود إلى حقبة تسبق العصر الأشولي».

500 عام قبل الميلاد

أكد الباحث السعودي فيصل بن حمد آل جبرين، الذي حاول فك رموز الفنون الصخرية ومعانيها في منطقة نجران من خلال دراسة تحليلية مقارنة عن هذه الفنون لمعرفة دلالاتها، وتم تضمين هذه الدراسة في كتاب أنجزته دارة الملك عبدالعزيز أن دراسته أظهرت ثراء تلك المنطقة بالفنون الصخرية التي تقدر الحقبة الزمنية التي نفذت فيها من 4 آلاف سنة إلى 2500 سنة من وقتنا الحاضر، وتميزت تلك الفنون بالدقة والإتقان، كما أظهرت نتائج دراستها توسع الإنسان في استئناس الحيوانات المختلفة ووفرة الجمال والخيول في تلك المنطقة.

وتابع أنه «اتضح أن تلك الفنون ركزت على تسجيل الأحداث اليومية في تلك الحقبة التاريخية».

نتاج مادي

تعد الفنون الصخرية أحد أنواع النتاج المادي الذي خلفته الجماعات البشرية، شأنها في ذلك شأن كثير من البقايا المادية، بل إن الفنون الصخرية أصبحت سجلًا يكشف عن أنشطة المجتمعات القديمة وأساليبها الفنية، ومعتقداتها الدينية، وأحوالها الاجتماعية والاقتصادية والعادات والتقاليد التي سادت في تلك العصور، وهو ما لمسه الباحث آل جبرين في منطقة نجران التي تعد من أقدم الأماكن التي استقر فيها الإنسان وقامت على أرضها حضارات خلال العصرين الحجري القديم والأوسط.

كما عُدّت نجران خلال الفترة من 500 عام قبل الميلاد إلى عام 266 ميلاديا، من أبرز مدن التجارة العربية؛ مما يعطي مؤشرًا أن الاستقرار البشري في المنطقة كان واضحًا منذ القدم.

الحضارة الألدوانية

يعد ما تم العثور عليه في «شعيب دحضة» من الأدوات الحجرية والدلائل الأثرية الأخرى إثباتا على قدم الاستيطان البشري في منطقة نجران. حيث يُعتقد أن هذه الآثار تعود إلى الحضارة الألدوانية قبل ما يتراوح بين 1.2 إلى 1.8 مليون سنة، وهي مرحلة مبكرة من العصر الحجري القديم. حيث تم اكتشاف أدوات بدائية مرورًا بالقواطع والمطارق الحجرية الكبيرة إلى المكاشط والشفرات الصغيرة.

أما بالنسبة للعصر الحجري الأوسط، فمنطقة «عرق البير» تُعد من أهم المواقع لدراسة هذه الحقبة. حيث تم العثور على أدوات ارتبطت بصناعات يدوية أكثر دقة مثل المثاقب والمسننات والمكاشط.

ولم تخلُ المنطقة أيضًا من آثار العصر الحجري الحديث، حيث تعد منطقة بئر حما من أبرز الأماكن التي شهدت هذه الفترة (4000 - 5000 قبل الميلاد). والدلائل فيها كثيرة، حيث تم العثور على منشآت لمواقد حجرية بعدة أشكال، إلى جانب رسومات صخرية تحمل كثيرا من المعلومات عن الملابس وأدوات الزينة والأسلحة وطبيعة الحياة التي مر بها أهل المنطقة. كما تشير الأدلة المستمدة من النقوش السبئية المبكرة إلى أن نجران حظيت بأهمية كبيرة بحلول منتصف الألف الأول قبل الميلاد بعد أن فتحها السبئيون، وأن اسم نجران أو نجرن كان يطلق آنذاك على المنطقة وعاصمتها «رجمت».