بشكل طبيعي تتجلى المواقف السعودية من أحداث غزة الأخيرة، سواء تلك المواقف الحاسمة في البيانات الشجاعة الواضحة التي تصدر تباعًا عن وزارة الخارجية، أو في الحراك الدبلوماسي الذي لا يهدأ لبحث فرص التهدئة والإنقاذ، وأخيرًا في إعلان مركز الملك سلمان للإغاثة عن حملة التبرعات السعودية لفلسطين، والتي افتتحها بتبرع سخي كل من خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده -حفظهما الله-، وتفاعل معها السعوديون على كل المستويات.
ما يجعل الموقف السعودي اليوم لافتًا لأي محلل للسياسة، أو راصدًا للتاريخ هو أنه يظهر اتزانًا واضحًا في محيط يموج بالارتباك السياسي والفكري، كما يحقق المعنى الدقيق للترفع عن الطيش الإعلامي الذي تمارسه أبواق المزايدين، ويترجم رسوخ الموقف السعودي من القضية الفلسطينية بكافة جوانبها.
بإمكان أي مراقب للمشهد أن يلمس انخراط كثير من التيارات السياسية الإقليمية في سلوك غوغائي مشتت للشعوب، خاصة تلك التي تتغذى عاطفيًا على الشعارات والخطب النارية، شعوب لم تنضج سياسيًا، ولم تصل تجربتها بعد لمرحلة تحقق الإنجازات، فضلا عن التفكير بعقول ناقدة للمنجز، ومتطلبة في شأن تجويده، شعوب في عمومها لم تستوعب دروس التاريخ، ونرى هذا منعكسًا على تعاطيها مع الفعل السعودي الذي اكتسب عبر تجربة سياسية طويلة صفات التفوق والتحضر والتأثير، لكن من جهة أخرى تبدو السعودية متفهمة للفجوات السياسية في محيطها، وقادرة على تحقيق أهدافها المعلنة والمؤطرة بتركيز شديد، وانتقائية للشركاء، ودون تعويل على أي طرح شعوبي غير موضوعي.
ختامًا.. ستؤول هذه الأيام للتاريخ، ورغم مخاوفنا من تقويض جهود السلام، ورغم حزننا على الحياة والأبرياء، إلا أنه يحق لنا كسعوديين أن نفتخر بما قدمته بلادنا عبر التاريخ لفلسطين القضية والحق والإنسان، وأن نترفع عن السلبيات من حولنا، ولكن مع تكثيف العمل لنشر الوعي بها، وتصنيفها كعمل معاد يستهدف بلادنا ومجتمعنا،
ثم يكفينا من المجد أننا نعبر هذه المرحلة الصعبة ونحن أكثر تمسكًا بمبادئنا التاريخية وقيمنا الإنسانية، وبإدراك مكتمل لواقعنا الجيوسياسي دون تزييف أو مبالغات.