تزداد الجميلة إشراقًا وجمالاً بالحب، لأن أثر نظرات محبِّها يلازمها، حتى إنها لتحس في غيبته كأن نظره واقع عليها من عينه لا من فكرها.

في نوع اللحن الشجي صورة الدموع التي في أعيننا، وإذا حنَّ كانت فيه شهوة نفس، وإذا جنح إلى الطرب كانت فيه رغبة واقعة، وليس في الكون ما يجمع هذه الألحان الثلاثة المتباينة في صوت واحد إلا زفرة الحب، يأسي العاشق ويحِن ويطرب فيقول: آه..

لو سألتني: من أعظم أهل الفنون على وجه الأرض؟ لقلت لك: كل حبيب جميل هو في عين محبه أعظم أهل الفنون؛ لأنه في نظر هذه العين هو وحده الذي يخلق الجمال الحي الرائع، ويضع معناه في كل ما يتصل به، حتى لكأن جماله تفرق على أجزاء العالم، أو كان أجزاء العالم التفت على جماله.


وقالت له: أنا لا أشفق على آلامك! وهل تراني أكره لك النبوغ والعبقرية، إن الألم في رجل الفن العبقري إنما هو «عملية» التصوير والطبع في مخيلته، فمواهبه الحساسة تخزن الوجود فيِّ، وكلما رأى جمالاً أو قبحًا أو سرورًا أو حزنًا غمرته ليتألم بمعنى ما رأى وحكمة ما أبصر، لأن جهة الفن في كل شيء هي معناه وحكمته، فيتألم، فينطبع المعنى، فيكوِّن في المخيلة مادة من مواد العمل الفني حين يعمل، فذلك ليس ألمًا في إنسان كما ترى، بل هو أداء طبيعي في أداة حية متخذة لهذا العمل خاصة، ميسرة له بكل حوادثها، ومن هنا فلا رحمة ولا مهاونة فيما يؤلم رجال الفن، إذ لا تعرف منهم الحكمة التي خلقتهم إلا آلات، آلات يجب أن تعمل حتى تتلف أو تتحطم.

تزداد الجميلة إشراقًا وجمالاً بالحب، لأن أثر نظرات محبيها يلازمها، حتى إنها لتحس في غيبته كأن نظره واقع عليها من عينه لا من فكرها، وبذلك تتجرد معانيها النسائية لعملها الفني وتدأب عليه، فلا تزال تجعل وتحسن ما دامت محبوبة معشوقة.

الحب إيمان النفس بكائن طاهر، والدين إيمانها بكائن خفي، ألا يكون ذلك أسلوبًا في الطبيعة لحفظ الإيمان في الإنسانية؟، أشعر أحيانًا كأنه ما من رجل في العالم يحب امرأة إلا ألم بحسي شيء من لذة هواه، فإن لم أكن أنا العالم كله فلقد جعلت حبي هو الحب كله!.

أنتِ فيَّ، وأنا أنظر بكِ إليكِ، هذه هي المشكلة التي جعلتكِ لغزًا لا حل له، في أقرب الحب من العبادة، ما دام هذا الحب تجلي نفس في نفس، وما أشبهه بدين يعبد فيه الجسم الجسم، فالمعشوق حالة نفسية متألهة معبودة والعاشق حالة أخرى متولهة عابدة!.

1927*

* كاتب مصري «1880 - 1937»