صورة من العفوية تلفت الآخر وتشدّهُ وتترك أثرها فيه، تشبه السهل الممتنع، فحين أقول إن أحداً ما لديه تلك الشخصية والكاريزما، برأيي لأنه يمتلك أسلوبا في مجال يتميز به فهمه عن أفهام غيره، ويجعل من الصعب بسيطا وسهلا ومفهوما، أو لأنه يمتلك أسلوبا جاذبا ولطيفا وبسيطا غير متكلف، الكثير يمتلك أسلوبًا يمثل مرآةً لشخصيته، فالعبرة ليست بهذا ولكن كيف يضع ذلك الأسلوب أثرًا سهلا غير متكلِّف.

عند لقاء من لا نعرفهم نتوجس ونتثاقل في الحديث معهم لأننا لم نأخذ في الحديث بعد، فالكلفة طبيعة للنفس، وقتها لا يكاد يعارض هذا أحد، ولكن العبقري هو من يجعل من تلك الكلفة راحة وانسيابا في الحديث وأُلفةً معه، مما يألفه الآخر لسهولته لا كلفته التي تحبس طبيعة النفس على الخروج من قالبها، إنها فن التأثير.

قرأت مقالا يذكر في سياقه أن صحيفة the jornal of personality and social psychology نشرت دراسة بأن الكاريزما لها ست علامات، ثلاثة منها تتعلق بمساعدة الآخرين على الشعور بالراحة، وثلاثة أخرى تتعلق بالحضور الشخصي.


أضرب مثلا؛ المدير لديه كاريزما، ليس شديدا ولا ليّناً، ولكن الجميع يحبونه، أو المعلم فلان نحبه لأن شرحه سهل ومفهوم، بمعنى أن المدير لديه القوة وبإمكانه التسلط ولكنه يستخدمها في وقتها ويغلب عليها الأبوة واللطف والتعاطف والإحساس بالآخر، فتلك شخصية القائد، والمعلم يشرح الدرس الصعب للطلاب الذين لا يفهمونه بسهولة من معلم آخر، وتلك شخصية العبقري، وكلها كاريزما وهِبة يُحسنها القِلة وتصعب على الغالب، وفن جمع المتناقض بين الصعب والسهل والقوة واللين، دون أن يفسد جزءاً على الآخر أو يتداخل وهو ما يصعب على الكثير ويميز القليل.

أما عبقرية العقل فهي سر جاذبيته، أي ذلك الفهم المجرد من كل تصور مسبق، مما يرى الأشياء نقية بألوانها لا ضبابية يُعسِر عليه حذقها، يرى الشيء بظاهره كما رأته عينه، لا يستعير أعيناً أخرى، وإذا رغب في فهم الفكرة اختار من الطرق أبسطها وتجنب منه وعورته وتعقيداته، وتلك كاريزما العقل.

فالكُلفة على النقيض؛ تحجب عن النفس التلقائية وتقّيد سجيتها وتحجب النباهة عن العقل وتقيّد إبداعه، فهي أشبه بعازل يقف دون أن ينتفع النبات من ضوء الشمس.