ويتمثل تسلط المدراء على الموظفين في محيط العمل في سلوكيات عدة منها، عدم منح الثقة للموظف، والتحكم الزائد المتضمن رصد كل تفاصيل عمل الموظفين بشكل مفرط، ومنعهم من اتخاذ قرارات مستقلة، وفرض المدير آرائه وتوجيهاته دون مراعاة وجهات نظرهم.
كما يدخل التقييم غير العادل للموظفين من قبل مديرهم في إطار التسلط، حيث يستخدم بعض المدراء نظام التقييم لتقدير الموظفين بشكل غير عادل، فيمنحون الفرص والمكافآت للمفضلين دون تقدير جهود الآخرين، مع الانتقاد العلني الذي قد يبلغ درجة الإساءة أو الإهانة لفضح الموظفين أمام زملائهم، مما يؤثر سلبًا على ثقتهم بأنفسهم ويؤدي إلى انخفاض معنوياتهم.
كما يستغل بعض المدراء سلطتهم لأغراض شخصية على حساب الموظفين، مثل طلب أعمال إضافية دون تعويض مناسب، وعدم توفير دعم وتقديم معلومات ضرورية أو إرشادات لازمة لإنجاز العمل، والتهديد بفقدان الوظيفة أو العقوبات.
عدم التوازن
يعد الأخصائي الاجتماعي محمد بالحارث عدم التوازن في القوى وسوء استخدام السلطة من أبرز أسباب تسلط المدراء على الموظفين، ويقول «بدلًا من تحفيز وتوجيه الموظف، يقوم بعض المدراء بفرض إرادتهم وآرائهم بالاعتماد على الترهيب والتخويف، مما يؤثر على الأجواء العامة للعمل ويقلل من إنتاجية الموظف وفريق العمل بأكمله، ويؤدي إلى تدهور العلاقات الفردية والجماعية داخل الفريق، ويقلل التعاون والإبداع والشغف المهني داخل بيئة العمل، ويزيد مستويات الإجهاد وعدم الرضا، وتراجع الأداء وزيادة معدلات العزوف عن أداء المهام».
ويضيف «لمواجهة هذه المشكلة يجب على الشركات تعزيز ثقافة منفتحة ومستندة إلى التواصل الفعال بين المدراء والموظفين، وتقديم دورات تدريبية للمدراء لتعزيز مهاراتهم في التوجيه والإلهام بدلًا من التسلط. مع وضع آليات لتلقي شكاوى الموظفين بسهولة دون خوف من ردود الأفعال السلبية».
معالجة الشكاوى
يشدد بلحارث على أهمية إنشاء آليات لتقديم شكاوى الموظفين تكون سهلة وسريعة وتُشعر الموظف بالثقة بأن شكواه ستُعالج بجدية ودون أن تعرضه لعواقب سلبية.
ويقول «ينبغي تحسين نظام التقييم لضمان عدالة تقدير الأداء، ومنح الفرص والمكافآت بناءً على معايير واضحة ومحددة، وتعزيز ثقافة التواصل والتعاون، ويجب تشجيع المدراء والموظفين على التواصل المفتوح والبّناء، وتشجيع العمل الجماعي وتبادل الأفكار والآراء، وتوفير دورات تطوير مستمر للطرفين لتحسين مهاراتهم وزيادة معرفتهم المهنية، وتعزيز الشفافية، وإشعار الموظفين أنهم مشاركون في صنع القرار، وأن لآرائهم دور كبير وفعال في خلق بيئة إيجابية مناسبه لهم».
ويتابع «عند اتخاذ قرارات مؤثرة، يجب شرح الأسباب والرؤية وراءها بوضوح، كما يجب أن تكون فرص الترقية والتطوير المستدامة متساوية لجميع الموظفين بناءً على الجدارة، دون التفضيل بناءً على علاقات شخصية».
تحقيق الأهداف
يرى المدرب التربوي عبدالله عدلان أن كل موظف يتمنى أن يعمل مع مدير متفاهم يتعاطف معه إنسانيًا ويسمح له بأن يكون شريكا في التخطيط والتنظيم والتوجيه والنجاح الذي يصبو لتحقيقه في المنظومة التي يعملون فيها، وقال «للأسف إن هناك بعض الإدارات وبعض المديرين يركزون فقط على وظيفة واحدة في الإدارة، وهي الرقابة، وتمارسها بشكل كبير ومفرط، وللأسف هذا ينتج مديرًا متسلطًا هو حصيلة سلوكيات تربوية سابقة أو سلوكيات اجتماعية كانت تمارس ضده وهي تنعكس اليوم على نفسيته وعلى سلوكياته وجعلت منه مديرًا متسلطًا، قد يجبر جميع من يعملون تحت إدارته على العمل وفقًا لمنظوره الشخصي الخاص لاعتقاده أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، ولذا يرفض مشاركة الآخرين له في الرأي ويرفض جميع اقتراحات موظفيه، ويعتقد أنه الوحيد الذي يمكنه إنجاز كل الأعمال».
وأكمل «المدير المتسلط يضخم الأمور الصغيرة دائمًا، ويركز على الأخطاء حتى يجد جانبًا يستطيع من خلاله معاقبة الموظف، فتجده يركز على الأخطاء البسيطة، ويهمل الجوانب الإيجابية في الموظفين، كما أنه يهمل الجانب الإنساني في التعامل مع الموظف، ولا يقدر جهود موظفيه ويعد ما يقومون به واجبهم العملي الذي لا يستحقون عليه التقدير أو الشكر».
أفضل الطرق
أما فيما يتعلق بأفضل الطرق للتعامل مع المدير المتسلط يقترح عدلان على الموظف الذي ابتلي بمدير متسلط أن يتعامل معه بشكل رسمي بعيد عن العلاقات الشخصية والصداقات، وقال «يجب أن يكون التواصل مع هذه النوعية من المدراء رسميًا وموثقًا إما عن طريق البريد الإلكتروني أو الرسائل المثبتة الموثقة والمكتوبة، وأن يكون استلام وتسليم الأعمال والمهام بشكل رسمي بما يحفظ حقوق الموظف لأن المدير المتسلط قد يهمل جهده، كما أنه من الضروري التزام الموظف بمواعيد الحضور والانصراف، وقوانين الاستئذان والغياب، مع تجنب الجدل مع المدير المتسلط، وإظهار الاحترام له، وحين تواجه الموظف مشكلة عليه ألا يأتي مديره المتسلط بها إلا ومعه اقتراحات حلولها، حتى يختار بنفسه الحل المناسب من بين مقترحاتك لأن هذه الطريقة تتوافق مع شخصيته كشخص يريد أن ينسب الإنجازات لنفسه».
ويضيف «وجود مدراء متسلطين أو غير قادرين على استيعاب طاقات العاملين معهم واحتوائهم يؤدي إلى تسرب كثير من المتميزين والكفاءات».
قضية مؤرقة
يرى الأكاديمي المهندس محمد آل شريف أن التسلط الوظيفي يعد من القضايا التي تؤرق جميع قطاعات الأعمال، العام والخاص على حد سواء، وهذا قد يؤدي إلى إلحاق الأذى الجسدي والنفسي والمهني أيضًا بالموظفين الذين يتعرضون إلى ضغوط عدة في أعمالهم بشكل لا يتناسب مع قدراتهم الفردية.
وقال «يعود النجاح الذي تحققه أي منظمة في الدرجة الأولى إلى وجود إدارات قديرة ومتفهمة لطبيعة عملها وللبيئة المحيطة بهم، لكن تسلط بعض القيادات الذين يرون في سلوكهم تطبيق حازم للأنظمة والقوانين، يعد أحد أهم العوامل المؤدية إلى سلوكيات العمل السلبية التي تـؤثر علـى الأداء بشكل عام. حيث يضطر الموظف إلى الاستقالة أو البحث عن فرص وظيفية أخرى. فالإدارة المتسلطة تنشئ بيئات تسحق الروح المعنوية لدى جميع الموظفين وتدمر ثقة الموظفين بأنفسهم، وهذا يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، وخلق روح عدائية في بيئة العمل. وهنا تكمن أهمية المرونة في العمل بما لا يخل بواجبات ومهام الوظيفة، مع تقدير ظروف الموظفين وتلمس احتياجاتهم إضافة إلى تحقيق العدالة فيما بينهم، ناهيك عن أهمية التواصل البناء معهم بمهنية وشفافية وبما يسهم في خلق بيئة عمل جاذبة وفعالة تستطيع أن تحقق أهدافها وبطرق صحيحة».
بعض السلوكيات للمدير المتسلط
ـ عدم منح الثقة للموظف
ـ التحكم الزائد بالموظف ورصد تفاصيل عمله بشكل مفرط
ـ منع الموظف من اتخاذ قرارات مستقلة
ـ فرض المدير لآرائه وتوجيهاته دون مراعاة وجهات نظر الموظف
ـ التقييم غير العادل للموظفين
ـ منح الفرص والمكافآت للمفضلين للمدير دون تقدير جهود الآخرين
ـ الانتقاد العلني الذي قد يبلغ درجة الإساءة أو الإهانة لفضح الموظفين أمام زملائهم
ـ استغلال سلطة المدير لتحقيق أغراض شخصية على حساب الموظفين
ـ طلب أداء أعمال إضافية دون تعويض مناسب
ـ عدم توفير الدعم وعدم تقديم معلومات ضرورية أو إرشادات لازمة لإنجاز العمل
ـ تهديد الموظف بحرمانه من الوظيفة أو العقوبات
ن