فإذا كان للدعاية هذا المفعول السحري في مجالات العلوم، وهي مجالات يفترض بها أن تكون موضوعية وغير متحيزة، فما بالك بمجال الفلسفة وعالم الفلاسفة لتعلقه الشديد بالعقائد الدينية والموروثات الثقافية، ما يجعل مجال الفلسفة عرضة للتحيزات الثقافية والتعصب الديني أحيانًا. يمثل الفلاسفة في الدعاية الفلسفية جانب التنوير والعقلانية والتسامح، مقابل الكنيسة ورجالها الذين يلعبون دور الظلامية والرجعية حسب هذه الدعاية. ابن سينا والفارابي ولأنهما يحملان معتقدات دينية ذات جذور يونانية أصبحا يمثلان الجانب المشرق والتقدمي في التراث العربي الإسلامي، وذروة سنام التقدم العلمي الذي توصلت له الحضارة الإسلامية.
في الدعاية الفلسفية يربط العلم الحديث دائما بالفلسفة، فهي أم العلوم بل إن العلوم حديثة مجرد فروع لها ونتيجة طبيعية لأفكار المنتمين لها، والتفكير الناقد والأفكار التقدمية والتسامح كلها نتائج سببية للتفلسف، وحتى الأسئلة الدينية المحرجة التي يطرحها الأطفال ببراءة على آبائهم هي أسئلة فلسفية عميقة تعكس ذكاء الطفل، فالأطفال فلاسفة صغار كما يقال وما من مولود إلا ويولد على فطرة التفلسف. خصوم الفلسفة في التراثين، المسيحي والإسلامي، يقدمون عادة باعتبارهم شخصيات استغلالية وانتهازية في حين يقدم الفيلسوف بهيئة السوبرمان المنقذ الذي يريد أن يكشف تناقضات الكنيسة وأساليب رجالها في التدليس.
تلعب الدعاية غالبًا دورًا محوريًا في تكوين صور نمطية زاهية لتاريخ الفلسفة وأبرز رموزها، صنعت بذلك وعيًا زائفًا حول الفلسفة ما جعلها حقلًا فكريًا تشوبه الضبابية وعدم الوضوح، وجعلت الناس يقدمون حولها آراء ومواقف غير واقعية تتشكل بفعل الدعاية والدعاية المضادة وليس بواسطة البحث العلمي الموضوعي الذي يضع الفلسفة في مكانها الطبيعي باعتبارها موروثًا دينيًا وثقافيًا للشعوب اليونانية ليس إلا. والمثقف اليوم يتعاطى مع الفلسفة وأفكار الفلاسفة بأسلوب الدعاية وأصبحت وسائل الإعلام أدوات للترويج لتوسيع حجم الدعاية. ودعونا ننظر لطريقة تشكيل آرائنا عن شخصيات فلسفية كفولتير وجان جاك روسو، وكيف كانت المبالغة والتضخيم في تقدير أثرهم في مجريات الأحداث التاريخية المفصلية في قارتي أوروبا وأمريكا بل وفي كل بقاع العالم.