بعد ظهر الثلاثاء في العشرين من نوفمبر عام 1979، يقطع التلفزيون السعودي ذو البث المتواضع آنذاك إرساله، ليظهر على الشاشة رجل يافع بملامح صارمة ومجهدة معلنا أنه قد تم تطهير بيت الله الحرام في مكة المكرمة من محاولة الاحتلال الغاشمة التي تعرض لها على يد جماعة جهيمان.

كانت تلك الملامح للأمير نايف بن عبدالعزيز، الذي واجه بعد أربع سنوات من توليه وزارة الداخلية تلك الحادثة الأليمة التي هزت مشاعر المسلمين.

قدمت للسعوديين نجما جديدا سوف يكون له بعد هذه الحادثة أبرز الأثر في حياة أبناء شعبه وفي بناء مستقبل وطنه، كان ذلك النجاح إعلانا لهذا القادم المتميز في لغته والجامع بين الصرامة وبين حسن الإصغاء، وزيرا للداخلية تقوده السنوات بعد ذلك ليتواجه مع موجات أعتى من الإرهاب والتشدد، وليدير سنويا أبرز معادلة أمنية تتمثل في موسم الحج، وليمثل إحدى أبرز القامات القيادية التي عرفها التاريخ السعودي، وليواصل عطاءه إلى أن تم تعيينه في عام 2009 نائبا ثانيا، ثم وليا للعهد بعد رحيل الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله، ثم ليستقبل السعوديون يوم السبت الماضي الخبر الأليم برحيله خارج المملكة مخلفا وراءه تاريخا من العمل والوطنية.

لم يكن يوم السبت الماضي يوما عاديا في حياة السعوديين، استيقظوا على الخبر الفاجعة: رحيل الأمير نايف بن عبدالعزيز.

لا تحتاج حين ذكر اسم الأمير نايف إلى تحديد منصبه ولا صفته التي لازمته طلية حياته ونشأت عليها وبها أجيال من السعوديين، فمنذ عام 1975، كانت بداية الأمير نايف في وزارة الداخلية ليدير من ذلك التاريخ وإلى اليوم أضخم معادلة أمنية استطاعت أن توجد بالفعل الأرضية الأنسب والأمثل لقيام التنمية وازدهارها.

على امتداد ما يقارب أربعة عقود، ارتبط الأمير بالأمن قيمة ووظيفة وواقعا، وفي المملكة العربية السعودية، هذه الدولة الفتية التي تعيش واقعا يغلب عليه البناء المستمر والعمل المتواصل، يصبح الأمن العامل الأبرز والأهم في التنمية وفي المستقبل.

وفي كل مرحلة تدخلها المملكة تختلف المعادلة الأمنية، إذ تطورت من الأمن بمعناه التقليدي القائم على الحماية إلى الأمن بمعناه التنموي القائم على إعداد واقع ملائم للحياة وقائم على الاستقرار.

تلك التحولات فرضت احتياجات أمنية جديدة ومتنوعة، لكن أبرز تلك التحديات كانت في موجة الإرهاب التي شهدتها المملكة، وتحديدا منذ عام 2003، وبعد عام من أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي غيرت علاقة العالم بالإسلام والمسلمين.

كان التحدي الحقيقي أمام المملكة يتمثل في كيفية تنزيه الإسلام من الإرهاب، وقد مثل الأمير نايف رحمه الله، أبرز الأصوات في العالم الإسلامي التي ظلت تنادي بوجوب الفصل والفرز بين ما هو إسلامي وبين ما هو إرهابي، وفي ذات الوقت استطاع طيلة هذه السنوات تقليم أظافر القاعدة وحصارها على المستوى الميداني وعلى المستوى الفكري وعلى مستويات التمويل أيضا.

كان هذا الملف فرصة للبعض ليحاولوا ترويج فكرة أن المملكة العربية السعودية توجه الدين والمتدينين، لكن سرعان ما استمع العالم إلى الأمير نايف في مختلف حواراته وأحاديثه وهو يقدم ذلك الفرز المنطقي والواقعي ويربط الإرهاب بأنه ناتج انحراف عقدي وليس ناتج عقدية صحيحة وسليمة.

بمنتهى الوضوح والصراحة انتقد الأمير نايف في أكثر من موقف بعض الجماعات الإسلامية التي تحول الإسلام لديها إلى مركب للأطماع السياسية، وفي المقابل ظل قويا في مواجهة كثير من الآراء التي روجها الإعلام الغربي عن علاقة الإسلام بالإرهاب.

إن المسيرة الطويلة للأمير نايف بن عبدالعزيز لا تختصرها لحظات التأبين، لكن الأرض السعودية الآمنة باتساع مساحتها وحدودها، والأمن الذي بات علامة على الحياة السعودية يمكن أن تعد بعضا من شواهده الكثيرة التي لا حصر لها.