نكايةً في الطهارة، واصل وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" شطارته خلال الأسبوع الماضي في طهران للمرواغة حول الأزمة السورية وزيادة الطين بلّة للملف النووي الإيراني، ليستحق بجدارة منحه لقب المُلا "لافروف".

خلال الزيارة التقى المُلا "لافروف" نظيره الإيراني وكبير المفاوضين في الملف النووي، ليقنعهم بجولة حاسمة للمفاوضات بين إيران والقوى الكبرى في موسكو. ونكايةً في الطهارة أضاف "لافروف" أن سورية، التي تدعمها طهران بقوة، هي الحليف الروسي الأكبر في الشرق الأوسط، ولن تقبل موسكو أي تغيير للنظام. واقترح "لافروف" عقد مؤتمر دولي حول سورية يشمل إيران وبعض الدول العربية والمعارضة السورية، فرحبت إيران بالفكرة وأوشكت على منحه لقب المُلا.

منذ ثورتها في عام 1917، نتيجة للانهيار الاقتصادي للنظام الاستبدادي للحكومة، والحكومات الروسية المتعاقبة تفشل في سياستها الخارجية لاعتمادها على مبدأ الوقوف ضد مصالح الشعوب نكايةً في الطهارة.

طيلة 70 عاماً انتهجت الدولة العقائدية مبادئ الاشتراكية لمناهضة اقتصاد السوق وحرية التجارة، واستخدمت كافة أساليب القمع في "حقبة الركود" خلال عهد "ستالين"، واستندت على حكم الحزب الشيوعي الواحد، مما أضعف هياكلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وانهيارها بعد سقوط جدار "برلين" بحلول 1991.

اليوم فقدت روسيا مكانتها في العالم كقوة عظمى ذات مصداقية لتواجه المطبات الخطيرة في جهودها الرامية للحصول على وظيفة سوفيتية جديدة في النظام السياسي الدولي واعتماد مبدأ واضح في علاقاتها الاقتصادية العالمية.

بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية في 11 ديسمبر 2005، استرد فريقنا التفاوضي أنفاسه وجمع قواه وأخذ موقعه في ميدان العولمة استعداداً لبدء التفاوض مع الدول الساعية للانضمام بهدف الحصول منها على المكاسب والفوائد. كانت روسيا إحدى هذه الدول، فشد الفريق السعودي رحاله إلى موسكو في نوفمبر 2008 وبدأ سلسلة من اللقاءات مع نظيره الروسي.

في عصر يوم ممطر، اتصلت الجالية المسلمة في روسيا بالفريق السعودي لتخبره بأن قطاع الأعمال الروسي ينوي إنشاء نواد ليلية ومراقص ترفيهية في العاصمة موسكو تحمل أسماء المدن الإسلامية والصحابة، مما أثار حفيظة الوفد السعودي المفاوض وإصرارهم في اليوم التالي على مطالبة نظرائهم الروس بتوقيع اتفاق المؤشرات الجغرافية التي تحظر عليهم استخدام هذه الأسماء، مقابل تسهيل انضمامهم للمنظمة.

قبل بزوغ فجر اليوم التالي، كانت الخارجية الروسية على علم تام بمطالب فريقنا السعودي، وقدم وزير خارجية روسيا "لافروف" شكوى رسمية يتهمنا فيها بالتعنت لإصرارنا على مطالبنا (المجحفة)، وألحق رئيس الفريق الروسي هذه الشكوى بتهديد موجه لنظيره السعودي يحذره فيه من تصفيته في شوارع موسكو قبل عودته للمملكة!

تاريخ روسيا يحفل بالتصفيات الدموية على كافة الأصعدة. أثناء حكم القيصر "إيفان الرابع" تأسست القوات الخاصة باسم "أوبريتشنينا" نكايةً في الطهارة ولتصفية المعارضة وقمعها أثناء فترة حكمه من عام 1547 إلى 1584.

في السادسة عشرة من عمره تُوِّجَ "إيفان الرابع" قيصراً لروسيا وحاكماً لموسكو خلفاً لوالده "إيفان الثالث"، واستمر في الحكم 37 سنة. كان القيصر الشاب يستخدم قوات "أوبريتشنينا" لقتل الناس والبطش بهم باستخدام طريقته المفضلة في التعذيب، وهي تهشيم الأرجل وإلقاء الضحايا في الثلج لإرغامهم على الزحف لطلب الرحمة منه، فلُقِبَ باسم "إيفان الرهيب".

نتيجة لصغر سنه وضعف خبرته لجأ "إيفان الرهيب" إلى بعض المستشارين لمساعدته في إدارة شؤون البلاد، فأقنعوه بسياساتهم التوسعية التي كانت تهدف إلى الربط بين بحر البلطيق وبحر قزوين، لتصبح روسيا إمبراطورية مترامية الأطراف. نكايةً في الطهارة قام الجيش الروسي في عام 1552 بمحاصرة قازان وارتكب المجازر الجماعية فيها وتمكن من الاستيلاء على استراخان. كان هدف "إيفان الرهيب" غزو بولندا والسويد وإقامة علاقات مع الدول الأوروبية، ولكنه فشل في هدفه واندحرت جيوشه على أبواب بولندا.

خلال عهده تعامل "إيفان الرهيب" بقسوة مع معارضيه، واشتد الخلاف مع أفراد عائلته وبعض مستشاريه، فارتكب عدة مجازر بحق أكثر المقربين إليه، انتهت بقتل ابنه في عام 1582. قبل وفاته أصبح "إيفان الرهيب" مسكوناً بالشك والارتياب بجميع المحيطين به، مما جعل عوائل روسيا النبيلة تهاجر خوفاً من القمع والتنكيل والاغتصاب والقتل الجماعي للنساء والأطفال. وفي عام 1584 قضى نحبه بعد إصابته بمرض غريب جعل جسمه يتورم وتنبعث منه رائحة كريهة.

نكايةً في الطهارة يستمر مسلسل القرار الروسي في رهانه الخاطئ والمكلف على جميع الأصعدة الدولية.

في مسيرتها الاقتصادية وبسبب الأزمة المالية العالمية، أعلن البنك الدولي أن حجم رؤوس الأموال التي خرجت من روسيا خلال الأشهر الأخيرة لعام 2008 بلغت 50 مليار دولار في الوقت الذي انحسر احتياطي البنك الروسي في الأشهر الأولى لعام 2009 بما يقرب من 100 مليار دولار. وفي عام 2010 فاقت خسائر روسيا في أسواق الأوراق المالية 300 مليار دولار، مما أسفر عن تقليص حجم ثروات روسيا بقيمة 1000 مليار، تساوي 84% من الدخل القومي الروسي، منها 700 مليار دولار فقط خسائر شركات النفط والغاز والطبقة الوسطة من المواطنين.

في مارس الماضي أقرّت وزارة الداخلية الروسية بأنها رصدت عملية تهريب مليارات الدولارات الأميركية إلى خارج البلاد، التي كانت حصيلة عمليات بيع وشراء أسهم الشركات الروسية، التي تمت من خلال شركات مسجلة في مناطق "أوفشور".

متى تتوقف روسيا والملا "لافروف" عن اتخاذ القرارات الخاطئة نكاية في الطهارة؟