يتسع الجدل في البيوت كل يوم، حتى يكاد أن يتحوّل أحيانًا إلى حرب ضروس تشعل حرائق الغيرة، والموضوع دائمًا: أيهما الأذكى والأطيب، طبخ الزوجة أم طبخ الأم؟!.

يتغنى كثير من الأزواج بروعة ومذاق الطبخات التي كانت تعدها أمهاتهم، وكثيرًا ما يحنون إليها، وهو ما يثير أحيانًا غيرة الزوجات اللواتي يتفنن بإعداد أصناف وأطباق المأكولات على أمل انتزاع إعجاب الزوج.

إنها حرب تدور بصمت في الكواليس، لكن الغلبة فيها كثيرًا ما تكون في صالح الأمهات، حيث يقول مدير جمعية الثقافة والفنون في منطقة نجران علي ناشر كزمان «لا يمكن النظر إلى الأمر على أنه مقارنة طبخ من أفضل أو ألذ، ولا إلى نوعية الأصناف المقدمة، فالأمر أكبر من كل هذا، لأنه يتعلق بأمنيات الزوج وإحساسه بالعودة بالزمن إلى مرحلة الطفولة وإلى حضن الأسرة الدافئ، ويتعلق بالحنين إلى الماضي بتفاصيل ذكرياته».


ويضيف «مع كل التفاني الذي تبذله الزوجات، ومع حرصها وتفانيها في إسعاد عائلتها، إلا أن طعام الأم تبقى له خصوصيته ورائحته التي لا يمكن الانفكاك منها، دون أن يعني ذلك أن الزوجة لا تستحق التقدير على كل ما تفعله».

الذاكرة الذوقية

يشير المختص في الشأن الاجتماعي نايف عبدالله الحربي، إلى أن الزوج الذي يحن ويشتاق لطبخ والدته قد يدخل في عراك أسري حتى وإن كانت زوجته من أمهر من يعدّ الأكل والطبخ، حيث تضيع كل محاولاتها في تحسين إعدادها للمأكولات بشتى أصنافها، حيث لا مقارنة لدى الزوج حول ذلك.

وقال «أحيانًا حتى لو كان طعام الزوجة أكثر إتقانًا، إلا أن الزوج يفضل طعام الأم».

وأوضح «يعود ذلك إلى عدة أسباب، منها أن الذاكرة الذوقية عند الإنسان تقوم بتخزين المذاق الأول خصوصًا في فترة الشباب، وتعتاد على مختلف الأطعمة التي تُعد بطريقة واحدة، أي بأسلوب الأم، ويصبح التغيير أسلوبًا جديدًا يحتاج للتأقلم عليه».

وأضاف «أي فرصة تسنح للعودة إلى طعام الأم تكون بمثابة جرعة إضافية من الاحتياج للشعور بالحنان والأمان»، وألمح إلى أن «الحياة المدنية الحديثة التي نعيشها والأطعمة السريعة والمتنوعة والغريبة عن عاداتنا وتقاليدنا تجعل الرجل يميل أكثر للأطعمة المعدة منزليًا التي تعود به للماضي».

وختم «زوجتي طباخة ماهرة، ونكهة طعامها قريبة من النكهة التي تحضرها والدتي، وأعدّ نفسي محظوظًا لأن طبخ زوجتي يستهويني ويحاكي طبخ أمي كثيرًا، لكن يبقى لطعام الأم خصوصية ومذاق لا ينسيان أبدًا».

ارتباط بالذاكرة

توضح الأخصائية الاجتماعية سهام أحمد الحسني، أن معظم الرجال عامة يفضلون ويرغبون الطعام الذي تحضره أمهاتهم، وقالت «يعود الأمر إلى التعوّد منذ الصغر، وأيضًا إلى الارتباط بذكريات الطفولة، ومن الطبيعي أن يحتاج الزوج إلى وقت طويل حتى يتقبّل أكل زوجته، حيث يبقى طبخ الأمهات متميزًا بأنه مطبوخ بالمحبة والحنان».

خلايا التذوق

تشير الحقائق العلمية إلى أن خلايا التذوق في اللسان تبلغ ذروتها في مرحلتي الطفولة والمراهقة، ثم تقل بنسبة 10% في مرحلة الرجولة المتقدمة والكهولة، لذا فما يتناوله الإنسان خلال مراهقته يبقى عالقًا على لسانه وفي ذهنه ويرى أنه الألذ.

طعام مقدس

يؤكد المحامي إبراهيم بن جهويل، أن طبخ الأم لا يُعلى عليه، ويقول «أمي هي أول من أطعمني، ولا أنسى لذة ذلك الطعام المقدس بالنسبة لي، فحين تعد الأم الطعام للأبناء فإنها تفعل ذلك وهي تعرف ما يحلو لهم بمقاسات دقيقة في الإعداد».

ويضيف «يتناسب طعام الأم مع ما نشأنا عليه، وهو يكون في غالب الأمر شعبيًا فريدًا بمذاقه ولذته، ويختلف عن الوجبات حديثة العهد بأصنافها المتعددة. وفي النهاية فإن الأم بالنسبة لي في مكان قداسة، وكل ما تفعله يتناسب مع ذائقتي دون تدقيق ما هي محتوياته ونكهاته التي تم استخدامها لإعداد الأكل».

زوجي يتغنى بأكلاتي

تعتقد أسمهان محمد، وهي ربة منزل وأم لخمسة أبناء، ثلاثة منهم متزوجون، أن ظروف زواجها ساعدتها، وقالت «عندما تزوجت وارتبطت بوالد أبنائي كانت والدته في ذلك الوقت على كبر، رحمها الله، فتوليت مهام المنزل وشؤونه كاملة، لذلك اعتاد زوجي ووالده ووالدته على ما أقوم بطبخه، وحتى اللحظة لا يزال يفضل طبخي».

وتضيف «لا يمكنني أن أنكر أن أبنائي بدورهم يشتاقون إلى طبخي حتى وهم مستقلون في منازلهم مع زوجاتهم، وهم يقدمون بين الفينة والأخرى إلى المنزل لأعدّ لهم ما اعتادوا عليه من طبخات لا تزال تنال إعجابهم، على الرغم من أن زوجاتهم ماهرات في إعداد الطعام، وبجميع أصنافه، ولكني أشعر أن أبنائي يحنون دومًا لما أقوم بإعداده من طعام».

إدراك الميول

يجزم الشاعر حسين القفيلي بأن لطبخ الأم مذاقًا خاصًا، وقال «نشعر أن كل ما تصنعه الأم يبقى مختلفًا، وعلى الرغم من الاحترام الذي يكنه كل منا لزوجته إلا أن مذاق طبخ الوالدة يبقى مختلفًا عن طبخ كل الأخريات، مهما كانت مهاراتهن، فالأم أقرب الناس إلى أبنائها، وهي تدرك ما يفضلونه وتشعر به، وبالتأكيد تدرك ميولهم ورغباتهم، والأم تختلف في كل شيء عن الجميع».

بدوره، يرى الصيدلي حسن أحمد الكستبان أنه مع كل التقدير للزوجة التي تبذل أقصى طاقتها، يبقى طبخ الأم متميزًا بلذته وخصوصيته، ويعد الحنين إليه بمثابة الاشتياق للماضي.

وقال رجل الأمن محسن أحمد الفقير «مهما كبرت فطبخ والدتي وما تعدّه لنا يظل ملازمًا لي بنكهته الخاصة التي لا تختلف ولا تتغير، فقد اعتدته ورُبيت عليه واشتاق إليه في كل اللحظات، دون أن يعني ذلك أن هناك قصورًا في الزوجة».

دراسة بريطانية

لا يقتصر تفضيل الأزواج لطبخ أمهاتهم على طبخ زوجاتهم على مجتمعنا، بل يبدو الأمر عامًا يطال حتى الأزواج في الغرب، فقد أظهرت دراسة في بريطانيا أن معظم الرجال يفضلون الطعام الذي تعده أمهاتهم على طعام زوجاتهم.

وقال معدو الاستطلاع الذي شمل 2000 رجل من شبكة «الطعام» البريطانية، إن الأمهات يحضّرن عادة وجبات تقليدية بأيديهن، ولا يعتمدن كثيرًا على الأطعمة الجاهزة أو تلك التي تسخن بالمايكرويف على عكس النساء الشابات.

وأشاروا إلى أن الأمهات قادرات على تحضير مجموعة متنوعة من الأطباق، ويحرصن على تحضير الوجبة المفضلة لدى أبنائهن.

وقال واحد من أصل 4 رجال إنهم يتسللون إلى منازل والداتهم من دون معرفة الزوجة لتناول طعامهم المفضل، فيما قال واحد من أصل 10 منهم، إن زوجاتهم يشعرن بكثير من الضغوط في سعيهن ليكن بمستوى حمواتهن في الطبخ.

وأشار 13% من الرجال فقط إلى أنهم طلبوا من زوجاتهم أن يتعلمن الطهو من حمواتهن.

في المقابل، بينت دراسة مصرية أن 70% من الأزواج يفضلون طعام الأم على طعام الزوجة، على الرغم من أن 30% ممن شملتهم الدراسة اعترفوا بمهارة الزوجة في صنع أطباق الطعام اللذيذ.