في وقت منعت فيه وزارة التعليم فرض مجموعة من العقوبات التي كانت تمارس بحق الطلاب في مدارسهم، عاد جدل جدوى العقوبات المدرسية وحدودها إلى الواجهة مع عودة المدارس، حيث انقسم المدرسون والمعنيون وأولياء الأمور وحتى الطلاب بين مؤيد ومعارض بشأن أشكال العقاب التي يجب استخدامها لردع بعض الطلبة عن السلوكيات المسيئة لمجتمع المدرسة وللمعلم بشكل شخصي.

ويشتكي كثير من المدرسين من عدم كفاية العقوبات الإدارية الخاصة للطلبة المسيئين، ويطالبون بإجراءات أكثر ردعاً، ويرون أن دور أولياء الأمور محوري في تقويم سلوكيات أبنائهم الطلبة، مشيرين إلى أن هناك من يتعاون منهم مع المدرسة، وهناك من لا يبالي.

وسائل عقاب ممنوعة


منعت وزارة التعليم بعض الممارسات كوسيلة عقابية للطلاب والطالبات حال المخالفات مثل الإيذاء الجسدي والنفسي، أو التهديد بحسم الدرجات، والحرمان من تناول الإفطار، والمنع من الذهاب إلى دورة المياه، والتكليف بنسخ الواجب، وعدم الطرد خارج الصف، مشددة في تعميمها لكافة المدارس على أنه في حال ارتكاب أي مشكلة سلوكية، فإنه يجب تطبيق قواعد السلوك والمواظبة في التعليم العام والأهلي.

تفادي المشكلات

أكدت المستشارة التربوية التعليمية حنان الغامدي أن العقاب قضية تربوية لا بد منها في حالات معينة، ولكن الإفراط فيه دون تمييز للأساليب ومدى مناسبتها للخطأ يحتاج كثيرا من النقاش لاختيار نوعية العقوبة الملائمة تفادياً لمشكلات أخرى.

وشددت على أن «العقاب البدني والعنف الجسدي مرفوضان تماماً، ويتعارضان مع كرامة الإنسان، وهناك أبحاث ودراسات أوصت بعدم استعمال العقاب البدني إلا في حدود ضيقة للغاية، لأنها تؤدي إلى آثار سلبية منها العدوانية والعنف والهروب من المدرسة».

وأشارت إلى أنه «يمكن للمعلم التعامل باحترافية ومنهجية مع الطالب وفق مناهج ولوائح وأنظمة أقرتها الوزارة، مبنية على حاجات نفسية وتربوية تم تدريب المعلمين للتعامل معها في الصف وإكسابهم مهارات حلها، وغالباً يتم تحويل الطالب المسيء إلى قيادات مختصة بالمدرسة للتوجيه والإرشاد دون إشغال المعلم بذلك».

مهارة حل المشكلات

ركزت الغامدي على أنه «على المعلم أن يطور مهارة حل المشكلات والتواصل حتى يحقق أعلى اتصال».

وتابعت «أحياناً قد تكون أعباء المعلم المدرسية وضيق الوقت ضاغطين عليه ومانعين له من إدارك مكامن الخلل السلوكي للطالب ومن ثم تعديله، وهذا يتطلب جهدا مضاعفا من المعلم».

وأضافت «هدف العقوبات تصحيح المسار السلوكي تربوياً بما لا يشكل خطرا أو تهديدا لحياة وكرامة الطالب، ومن يخالف ذلك يمكن لولي أمر الطالب أن يشكوه إلى إدارة المدرسة، وإن تكرر الأمر ترد بحق المخالف من المعلمين والإداريين عقوبة رادعة».

تدرج في العقاب

توضح الغامدي أن «العقوبات التي يفرضها المعلمون تتدرج من التنبيه الشفوي للطالب، وإشعاره أن هناك عقوبة إذا لم يرتدع عن سلوكه الخاطئ، ثم سحب بعض الامتيازات منه مثل منعه من المشاركة في نشاط ما كالإذاعة المدرسية، أو اللعب في حصة الرياضة، وإذا استمر بسلوكه المخالف يعاقب بدنياً (بتنظيف غرفة الصف بجمع القمامة في سلة المهملات)، بعد ذلك يحق للمعلم سحب بعض العلامات منه وخاصة علامة المشاركة لأن الأدب والاحترام جزءان من هذه العلامة، وإن استمر في السلوك الخاطئ يستحق الحرمان من المشاركة أثناء الحصة إلى حين تعديل سلوكه، وكذلك يمكن إيقافه أمام التلاميذ لفترة مناسبة من الوقت أثناء الحصة، وعزله عن أصحابه داخل غرفة الصف إن أساء مجدداً، وأخيراً تحويله إلى مدير المدرسة لأخذ الإجراء المناسب بحقه، ومن الأفضل أن يعقد المعلم مع طلابه عقدا له بنود واضحة يسمى (عقد سلوكي) يفيد بالاحترام وعدم تكرار المخالفات، ويوقع عليه المعلم والطلاب ويحفظ بملف وتعلق نسخة منه على لوحة الحائط، مع ترك مساحة لكتابة المخالفات وقوانينها الجديدة من قبل الطلاب بعد ذلك».

انفعالات

بيّن الباحث الاجتماعي المتخصص في القضايا الاجتماعية خالد الدوس أن المدرسة بيئة اجتماعية مليئة بالانفعالات والمثيرات والضغوط والتفاعلات، وقد يتعرض الطالب لبعض الصعوبات والمشكلات التي تؤثر على تفاعله وقدرته على التكيف داخل المناخ التعليمي. وقال «من أهم الظواهر السلبية التي تهدد النظام التربوي، العقاب البدني والعنف اللفظي لتعديل سلوك الطالب، وهذا قد يجلب آثارا عكسية بنفور الطالب وكثرة غيابه وانخفاض تحصيله العلمي، وهناك أساليب يمكن للمعلم اللجوء إليها لكسب الطالب وتشجيعه ببدائل تربوية تؤدي إلى نتيجة أفضل، مع احترام الضوابط السلوكية التي وضعتها الوزارة، وللمعلم فرض شخصيته ليس باستخدام العقاب البدني أو اللفظي ولكن بأسلوب تربوي أبوي يعزز دافعية الطالب، لأن المدرسة التربوية الناجحة حسب معطيات علم الاجتماع المدرسي تعتمد على التشجيع والتحفيز».

تخفيف

بدورها، بينت مسؤولة نظام ومخالفات الطالبات في إحدى المدارس (فضلت الاحتفاظ باسمها) أن الوزارة أصبحت مع الطالب في كل شيء، وهي تخفف العقوبات تجاهه، وفي حال مقابلة سلوك سيئ من الطالب تجاه المعلم وإحالته للإدارة والإرشاد لا نجد منه أي احترام للقوانين أو تقدير للإدارة، وحتى هناك بعض الأسر التي لا تتعاون مع المدرسة بل تلجأ لشكوى المدرسة والموظف.

حجج المعلمين

تقول الكاتبة السعودية الحاصلة على ماجستير الآداب في الطفولة المبكرة حصة مطر الغامدي: مللنا من سماع عبارة «نحن انضربنا وما صار فينا شي».

وأضافت «الجيل الحالي مختلف عن سابقه، والعقوبات البدينة بالإجمال غير صحية وغير مجدية لأنها لا تحل المشكلة، فإخراج الطالب من غرفة الصف أو إرساله للمدير أو إهانته أمام الطلاب أو ضربه لعدم حل الواجب أو لتعديل السلوك كلها ممارسات تصب في العقاب الذي منعته الوزارة، وفي حال احتاج المعلم لتوجيه الطالب سلوكياً فهناك طرق فعالة تقوم على الحزم والحرمان وتعديل السلوك يشترك فيها المعلم والأسرة والإدارة».

وتابعت «أما حجة المعلمين بأنهم يريدون إرجاع هيبة المعلم ويمارسون لذلك إيذاء الطالب بدنياً ونفسياً فإنها مغالطة كبيرة، فالمعلم يفرض احترامه عبر ضبط النفس والحزم وتبادل الاحترام مع الطلاب، كما أن الوزارة وضعت لائحة جديدة ومفصلة العام الماضي تخص ضبط الطلاب وتضمن حقوق المعلم والطالب، وضحت من خلالها قواعد السلوك والانضباط، وطالبت الجميع بالتقيد بها».