يهدف بينالي الشارقة، الذي يقام كل سنتين في إمارة الشارقة، إلى تأطير وتوجيه الحركة التشكيلية العربية، بمساهمة الدول العربية والأجنبية، وإبراز الدور الحضاري والثقافي للفنان العربي بالتفاعل الجاد مع الفنون العالمية، وخلق علاقات طيبة مع الأفراد والمؤسسات والهيئات الفنية.

"الوطن" حاورت رئيس مؤسسة الشارقة للفنون والمشرفة على البينالي الشيخة حور سلطان القاسمي إلى نص الحوار:

- بينالي الشارقة، وهو ينهي العقد الثاني، كيف وجدتم وصوله للعالمية وما يقدمه من حراك ثقافي عالمي في المنطقة الخليجية؟

انتشار البينالي عالمياً واتخاذه هذه المكانة بين محافل الفنون البصرية يجعلنا نشعر بأننا كنا وما زلنا على المسار الصحيح في رؤيتنا لتطوير الفنون البصرية والتعريف بها محلياً وعالمياً، الأمر الذي يجعلنا نشعر بمسؤولية أكبر تجاه ما نقدمه وما نحاول أن نضيفه على برامجنا وفعالياتنا من جهة، وعلى المشهد الفني المعاصر في المنطقة، خصوصاً وأننا حاولنا وما زلنا نحاول التعريف ودعم الطاقات والمواهب الجديدة، وفتح بوابات ثقافية وفنية يمكن لها أن تعزز من هذا الحراك الفني في المنطقة العربية وفي مقدمتها الخليج، كما أن هناك العديد البرامج التي تقوم بها مؤسسة الشارقة للفنون لتطوير ودعم هذا الحراك مثل: لقاء مارس والبرنامج التعليمي، وبرنامج الإنتاج، وبرنامج الفنان المقيم.

- ترعى إمارة الشارقة الكثير من الفنون والثقافة، ومنها المسابقات المحلية والعربية للعديد من المجالات الفنية، كيف تجدون رضا المجتمع حول هذه المسابقات، وأي المجالات الفنية أو الثقافية لاقت انتشاراً أوسع؟

اتخذ المشروع الثقافي في إمارة الشارقة منذ بداياته، بعداً جذرياً تأسيسياً، يبحث في تفعيل وتطوير وتعميق المناخ الثقافي الذي يتيح للمثقف العربي التعبير عن رؤاه وتطلعاته، وذلك من خلال العديد من الفعاليات والبرامج والمؤسسات الثقافية التي أثبتت حضورها وأهميتها على مستوى الساحة العربية، ولا سيما في مجالات الفنون البصرية على مختلف أنواعها وتعبيراتها الإبداعية، ولعل المسابقات تأتي مكملة لهذا الحراك من خلال رعاية وتشجيع المواهب وإتاحة الفرص أمامها بتقديم مشاريعها، وبالتالي التعريف بها من خلال تلك المسابقات ونشرها وإشهارها، والتي لاقت صدى إيجابياً وتأثيراً ملموساً بين أوساط المبدعين، خصوصاً وأن المسابقات التي تقيمها الشارقة استطاعت أن تثبت صدقيتها وتمنح مشروعية إبداعية وثقافية لمختلف المشاركين أو الفائزين بتلك المسابقات، دون الدخول بتصنيفات خاصة عن هذه المسابقة أو تلك، إلا أن طبيعة الأنشطة بحد ذاتها تشير إلى جدية وأهمية هذه الفعاليات بمختلف أوجهها.

- المسابقات العربية والدولية التي تقدمها المؤسسة، كم بلغ نصيب الخليجيين منها؟ وماذا ينقصهم للوصول إلى الجودة والانتشار العالمي؟

ليس من ثمة مسابقات خاصة تقيمها المؤسسة، وإن كان هنالك أعمال فائزة تمنح للمشاركين في بينالي الشارقة بمختلف دوراته وهذا التقليد المتبع في البينالي لا يشير من جهتنا إلى نوع من المفاضلة بين فنان آخر، إلا أنه يعتبر جزءاً من التقاليد التي درج عليها البينالي، وإن كانت أغلب الأعمال المشاركة في البينالي هي أعمال تستحق الإشادة، وهي ذات سوية فنية جيدة. كما أننا لا نميز بين الفنانين المشاركين وفق الأماكن التي قدموا منها، بقدر طبيعة هذه الأعمال وجودتها، وقد أثبتت المشاركات الخليجية والعربية نوعيتها العالية ضمن الأعمال التي عرضت على امتداد دورات البينالي، وأعتقد أن فنانينا لا تنقصهم الموهبة بقدر ما تنقصهم فرص العرض في المعارض والفعاليات المهمة على المستوى العربي والعالمي؛ الأمر الذي نحاول من جهتنا توفيره. إننا حريصون على التعريف بفنانينا وإتاحة كافة الفرص أمامهم.

- على مدار العقدين، كم كان نصيب المشاركات بشكل عام من الفنانين؟ ومن السعوديين بشكل خاص؟

هنالك العديد من المشاركات لفنانين عرب ومن بينهم بالتأكيد العديد من الفنانين السعوديين، ولا أستطيع أن أحصر قائمة بالمشاركات إلا أنني أتذكر على الأقل في الدورات الأخيرة مشاركات مميزة لفنانين سعوديين من أمثال عبد الناصر غارم، أحمد ماطر، والفنان فيصل سمرة، وسواهم.. إلا أننا نود التأكيد على أن اختيار المشاركات تتم من قبل مقيّمين تختارهم المؤسسة للقيام بهذا الدور دون التدخل بخياراتهم.

- كيف وجدتم المشاركة السعودية، هل حضورها أثرى المشاركة وسط هذه الكوكبة العالمية؟ وما الذي ينقص الفنانين السعوديين ليكونوا في مصاف الدول العالمية في مجال الفنون البصرية؟

كما أشرت سابقاً، بأن فنانينا يمتلكون إمكانيات إبداعية مميزة، وإنهم لا يقلّون عن سواهم من الفنانين ضمن هذه الكوكبة العالمية أو تلك، وأنا لا أميل إلى المفاضلة بين فنان وسواه، إن الطاقات والإمكانات الإبداعية موجودة وأصيلة لدى مبدعينا إلا أن الاهتمام وتوفير الفرص والبرامج المتخصصة سواء في المجال التعليمي وتطوير المهارات والإمكانات، أو في مجال الوعي الفني البصري الذي يتطلب بيئة أو اهتماماً خاصة يسهم في تطوير إمكانات المبدعين، والفنانون السعوديون كغيرهم يمتلكون كافة المواهب التي تؤهلهم لأن يكونوا في أهم المحافل الفنية.

- الفنون المفاهيمية أو ما يسمى "بالفن المفاهيمي"، كيف وجدتم تقبل الجمهور لها؟

الفنون المفاهيمية، تمثّل نمطاً من أنماط الفنون الجديدة التي رافقت التطور التكنولوجي، مستفيدة من العديد من الخامات الفنية التي استخدمها الفنان لتطوير أدواته التعبيرية، هي جديدة نسبياً على مجتمعاتنا، لكن طبيعة هذا العصر وقدرته على التواصل والتحاور والانفتاح، أسهمت بخلق أرضية لتلقي هذا النمط من الفنون، كما أننا نلحظ أن هنالك العديد من الفنانين المحليين والعرب ينتجون بدورهم هذا النوع من الفنون بكفاءة ومقدرة عالية، إلا أننا في البينالي لا ننحاز إلى تيار فني على حساب تيار آخر، والمطلع على هذه الدورة يلمح وجود العديد من المشاركات في مختلف التيارات والأساليب الفنية من الرسم والتصوير والنحت والجرافيك وسواها من المشاركات.

- هناك تساؤل من البعض أن بينالي الشارقة يعرض ما يتناسب مع الجمهور الأجنبي المقيم في الإمارات؟

إننا نعرض للجميع، وإذا كان المقصود بأن طبيعة العروض تتعلق بالفنون الجديدة، أكثر من الفنون التقليدية فقد أوضحت عن طبيعة المشاركات وعن دور المقيّمين باختيار نوعية الأعمال الفنية والفنانين وفق ما يتماهى مع الثيمة أو الموضوعة الخاصة بكل دورة.. وأود التأكيد على أن البينالي هو ليس مجرد معرض فني يتم من خلاله عرض أعمال لفنانين مختلفين، بقدر ما هو مختبر للفنون البصرية يحاول تقديم التجارب الجديدة والمواهب الشابة والنوعية التي تمثل نبض الفنون المعاصرة بالمعنى الإبداعي، وبما يمكن أن يقدم إضافة حقيقية للمشهد الفني ويتيح سبل إقامة حوار وتفاعل خلاق بين المتلقي وبين مختلف العروض التي شملت في هذه الدورة، من برامج للموسيقى والأفلام، وعروض الأداء، وبرامج فكرية وورش تخصصية، بالإضافة إلى العرض الرئيسي للأعمال الفنية.

- والدكم.. وهو الداعم للثقافة والفنون، ماذا تعلمت الشيخة حور من الشخصية الأكثر تأثيراً في مجالنا الثقافي؟

هنا لا أستطيع أن أفصل الشخصي عن العام، فالوالد أطال الله عمره، عبّر عن إيمانه بهذا المشروع الثقافي ببعده العربي وبانفتاحه على مختلف الثقافات الإنسانية الحقيقية، بكافة مستوياتها، واستطاع أن يؤسس لبيئة خصبة لتفتح الطاقات والإمكانات، وتجعل من الحلم الإبداعي والثقافي واقعاً ممكناً، من هنا تشرّبنا هذه الروح وهذا الإيمان بجعل الخيار الثقافي هو الخيار الأهم، جعل من المفاهيم الإنسانية الأصيلة التي تعبر عن هويتنا الإسلامية وعن وجودنا الحضاري من أولويات هذا الخيار الثقافي الذي نسعى لتعميقه والعمل على تطويره وتحقيقه بكل طاقاتنا وإمكاناتنا.