في الاتصال الوحيد لي مع الراحل الأب الكبير، نايف بن عبدالعزيز، قبل ما يقرب من عامين قال لي بالضبط: أنت تريدنا أن نضع آلاف العوائل السعودية في قائمة اجتماعية سوداء ومنبوذة. كان سموه – يرحمه الله – يعاتب على طلبي ذات مقال بنشر أسماء وصور المجرمين والمرتشين والمفسدين وأصحاب الجنح الشائن من المروجين والمهربين. أتذكر من حديث سموه – رحمه الله – قوله بالتفصيل: نحن نعرف أن لدى كل مجرم أو فاسد أو ضال بنتاً تريد أن تتزوج وأن تمضي في حياة كريمة، مثلما ندرك أن لدى كل منهم ولداً وعائلة تريد أن تبقى كريمة مصونة وأن لا يعيش كل من حول هؤلاء في أوزار وأخطاء ذويهم لأننا إذا طبقنا ما تطالب به فنحن لا نحارب جريمة فردية بل ندفع من حوله إلى الجريمة إذا ما أدخلناهم بالمجموع إلى دائرة الفضيحة. أتذكر من حديث الراحل الكبير قوله إن أسهل الخيارات أمام رجال الأمن هو أن يطبقوا القانون الجاف وأن يكشفوا الأوراق بكل ما فيها من الأسماء والقضايا أمام المجتمع والإعلام ولكن الخيار الأصعب أمام الأمن هو أن ينظر بعين عليا أمام التبعات الاجتماعية التي يدفعها عشرات الأبرياء من أقارب الجانح أو المخطئ وهم يؤخذون بجريرة فرد من دائرتهم أو أقاربهم. نحن باقتراحك هذا نعدم أي خطوة موجبة في مستقبل هؤلاء. كان يعاتبني بأبوية بالغة اللطف ومعيداً اقتراحي إلى حماس الشباب الذي قال عنه إنه أكثر ما يخشاه في رجال الأمن من الشباب الجدد.

أتذكره وهو يقول: يا علي لا يوجد في مجتمعنا مجرم طوال العمر ولا يوجد مجرمون جدد بعد سن الخمسين ومن الخطأ أن نفضح حياة مواطن سعودي طوال عمره بسبب نزوة ساعة أو لحظات من حياته ولو أنك ذهبت إلى أقرب سجن في مدينتك لاكتشفت أن – القتلة – الذين لا نستطيع أن نفعل لهم شيئاً إلا ما يقوله حكم الشرع وقد تحولوا مع الزمن إلى دعاة وحفظة لكتاب الله.

كان سموه يقول: أنا لا يقلقني السجين الذي ذهب إلى السجن بخطئه قدر ما يقلقني الطلقاء من أهله لأنهم يسجنون اجتماعياً وخصوصاً في القضايا الشائنة التي ينبذها المجتمع وهم الضحايا الحقيقيون ولهذا نسارع في إطلاق ذويهم ونتلمس لهم عشرات الأعذار والمناسبات ونقيم قراراتنا في إطلاقهم على المعلومات المؤكدة التي تشير إلى أن الغالبية العظمى من المساجين لا يعودون إليها بعد أول درس. ودعت سموه وهو يقول: يا علي هذا ليس للنشر. هذه المواقف الكبرى في حياة ومنهج قائد هي أجمل ما ينشر.