أكد سينمائيون ونقاد أن ترجمة حوارات الأفلام السينمائية الأجنبية تؤثر سلبا في القراءة النقدية لتلك الأفلام، على الأخص حين لا يكون الناقد على دراية باللغة الأجنبية التي يقدم الفيلم بها.

ومثلما تتعرض الأفلام الأجنبية للظلم في النقد نتيجة عدم إلمام الناقد بلغتها، فإن الأفلام السعودية التي بدأت تنتج بشكل أكثر وضوحا في الآونة قد تتعرض بدورها إلى الظلم النقدي لعدم إلمام الناقد الأجنبي باللغة واللهجة والثقافة المحلية التي تنبع منها تلك الأفلام.

وبرر هؤلاء الأمر بأن ترجمة الحوار تؤثر أحيانا في دقة نقل السياق الثقافي واللغوي، وبالتالي يكون نقد الفيلم «ناقصًا»، ويجعل من الناقد الذي لا يجيد «لغة» الفيلم يركز على جوانب بصرية سينمائية أخرى بعيدة عن عنصر الحوار على أهميته، لذا يفضلون في الناقد السينمائي أن يكون ملمّا بلغة ولهجة الفيلم السينمائي للوصول إلى قراءة نقدية سينمائية «مكتملة» الجوانب.


تحد مستمر

يشير أستاذ السينما الدكتور عبدالرحمن الغنام (أكاديمي متخصص في الإعلام المرئي والمسموع) في معرض تعليقه عن كيف يمكن للمختصين والمهتمين بالسينما التعامل في نقد أفلام سينمائية «أجنبية» مقدمة بلغات أجنبية لا يجيدها الناقد، خصوصا أن بعضها يأتي بلهجة «محلية» من لغات أجنبية؟، إلى أن هذا الأمر يمثل تحديًا مستمرًا، خصوصًا حين لا تكون ترجمة الحوار مثالية دائمًا.

وقال «تاريخيًا، كانت الأفلام الصامتة في بدايات السينما تستند بشكل كبير على الصور والأداء الجسدي لتوصيل القصة والمعنى للمشاهد رغم اخلاف ثقافته ولغته وحدوده الجغرافية، وكانت تلك الأفلام قادرة على عبور الحدود، واليوم، تتميز الأفلام أيضًا بقدرتها على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية وتقديم قصص تحمل لهجات ومعان وإشارات ثقافية مختلفة، لذلك، حتى وإن كانت الأفلام بلغات وحوارات غير مفهومة، فإن فهم السياق الثقافي والاجتماعي للفيلم واستيعاب العناصر الفنية والسردية -مثل طريقة الإخراج، والتصوير والأنماط، والتمثيل والأداء، والموسيقى التصويرية وغيرها- يمكن أن يعزز بشكل كبير من تقدير وفهم النقاد والمختصين والجمهور لتجربة مشاهدة الفيلم الأجنبي، فمشاهدة الأفلام السعودية من منظور الأجانب تعد تجربة فريدة وثرية تعرفهم بثقافة ولهجات وتجارب قد لا يكونون على دراية بها، إضافة إلى تقدير عناصر الفن السينمائي السعودي المنتج». عدة مشاهدات

أشار الناقد السينمائي حسين العلي إلى أن المختصين في النقد السينمائي يمتلكون أدوات النقد والمعرفة التي تمكنهم من إبداء الرأي حول جوانب الأفلام المتعلقة بالسيناريو والتصوير والممثلين وحبكة الفيلم بناءً على عدد من القيم المعرفية الفنية التي تلقوها إما عبر الدراسات أو بالمتابعة وحب عالم الأفلام، حتى استطاعوا فهم سياقات الفيلم ومضامينه ولو كان بلغة غير لغتهم، علمًا أن اللغة الآن لم تعد عائقًا مع توفر تقنيات الترجمة الفورية وغيرها من وسائل الترجمة.

وبين أن المشاهدة الأولى للفيلم تبقى انطباعية، ولا تعطي صورة واضحة ودقيقة حوله، لأن الفيلم في العادة يحمل معاني عدة في تكوينه وفي رسالته، وهو وسيلة لغاية، فلا يوجد فيلم دون معنى أو عدة معان وغايات يراد إيصالها للمشاهد، وبالتالي لا بد للناقد من عدة مشاهدات قبل أن يصدر رأيه.

وشدد على أن النقد عمل مضن ودقيق ومتشعب المعارف، ويقع بين الفن والحرفة أو التخصص، وبالتالي لا غرابة من قلة أهل الاختصاص فيه، وقال «بالنسبة لنا هو مرتبط بتجربتنا السينمائية عامة، وهي جديدة، والنقد ابن التجربة الطويلة، ومع الأيام سوف يبرز نقاد يغذون المشاهد بأدوات فنية تزيد من معرفته».

وجدة ورأس برأس

في معرض تعليقه عن استفسار «الوطن» حول ما إن كان هناك نقاد سينمائيون أجانب (لا يتحدثون اللغة العربية) كتبوا نقدًا عن أفلام سعودية، أكد رئيس لجنة السينما بجمعية الثقافة والفنون بالأحساء، الناقد السينمائي الدكتور محمد البشير، أن «هناك كتابات لنقاد أجانب، كتبوا عن الأفلام السعودية، ومن يتابع مواقع التقييم المتخصصة في الأفلام يلاحظ تعليقات عربية وإنجليزية من مشاهدين أجانب»، مستشهدًا في ذلك بفيلم «وجدة» (من إخراج وكتابة هيفاء المنصور عام 2012)، وكان له أثر جيد في لفت الأنظار حول حركة صناعة الأفلام في السعودية، وقد حظي بكتابة عنه، وهو الفيلم الذي يتحدث عن موضوع مثير للانتباه في نظر الغرب، والتعرف على السعودية في صناعة الأفلام، وكذلك فيلم «راس براس»، للمخرج مالك نجر الذي حظي بتعليقات أجنبية من نقاد ومشاهدين في منصات التواصل الاجتماعي.

33 فيلما سعوديا

بيّن البشير أن هيئة الأفلام في السعودية، تعمل على تعزيز الكتابات النقدية للأفلام السينمائية السعودية بلغات أجنبية متعددة، وإطلاق الملتقيات النقدية السينمائية، والتي آخرها في منطقة تبوك، وقد استضافت خبراء ونقادًا سينمائيين «أجانب»، وخبراء في صناعة الأفلام «أجانب»، لإثراء وتبادل الخبرات، لافتًا إلى أن أفلامًا سعودية حققت نجاحات كبيرة في المشاهدات والنقد، مشددًا على أن النقد يهدف إلى صناعة الأكثر جمالًا، وضرورة الانفتاح وقبول كل الآراء، واختيار الأفضل بغرض التحسين، موضحًا أن الأرقام الإحصائية تشير إلى أن هناك 33 فيلمًا سينمائيًا سعوديًا.

صناع لا يحبذون النقاد

شدد السينمائي فهمي فرحات، على أن «فهم اللغة واللهجة، ليس ضروريًا أو أساسيًا في النقد السينمائي، إذ إن الفيلم هو لغة بصرية، والناقد يحاول فهم محيط العمل، ويدرس صانع الفيلم، وبلد الفيلم، وفهم إيقاع الفيلم بشكل عام، ويفترض في النقد البحث والدراسة عن الفيلم، والتركيز على الإيجابيات والسلبيات التقنية في العمل».

ولفت إلى أن «غالبية النقاد لا يكتفون بمشاهدة واحدة لنقد الفيلم، والفيلم الجيد سيحرص النقاد على تكرار مشاهدته للاستمتاع بتفاصيله بشكل كبير، كمشاهدة للاستمتاع ومشاهدات أخرى للتحليل، والفيلم الهابط في المستوى، قد يكون تقييمه في المشاهدة الأولى، يمكن الحكم عليه بالضعف دون الحاجة إلى تكرار مشاهدته مرة أخرى».

وذكر أن بعض صناع الأفلام في السعودية، لا يحبذون النقاد، وهناك هجوم من بعض الصناع على النقاد، فيما يجب أن يكون هناك تعاون بين صناع الأفلام والنقاد للوصول إلى أفلام جيدة.