فجعت المملكة العربية السعودية حين فوجئت بوفاة الأمير نايف بن عبد العزيز ولي عهدها ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير داخليتها وحارس أمنها لأنهز وأكثر من ثلاثين عاماً، تولى خلالها وبمهارة فائقة ملفات الأمن الشائكة التي كانت تتنامى تعقيداتها وتزداد مخاطرها وتتنوع جهاتها.. كان المارقون عن السياق العام والفطرة السوية يتزايدون ويتوالدون ويخرجون بأكثر من لبوس وأكثر من وجه وهيئة. بعضهم كانوا يلبسون رداء الدين ويتزينون به حتى ينقاد إليهم القشريون والجهلة والبسطاء ثم لا يلبثوا إلا وقد خرجوا من الدين كما يخرج السهم من الرمية، لكن بعضهم الآخر يظهرون إليك يريدون تحولاً وتبدلاً وانسلاخاً وتغرباً من الفطرة التي نشأ عليها المجتمع وأهله.

كان المتحولون يخلعون جلودهم.. يريدون استبدالها بكل مبتدع وخارج ومخالف، وكانوا خلال العقود الماضية يتزايدون كالفطر لا ضابط لاختلافاتهم ولا يوجد نسق واحد يميز تحولاتهم.

كان كل ذلك يحدث على هذه الدولة ويهب من أطرافها وجهاتها الأربع، وكانت هذه الدولة الناشئة الصاعدة إلى ذرى التطور والتقدم محاطة بالحاسدين والكائدين والمتربصين.. يريدون عرقلة مسيرتها وإحباط توجهاتها وتصغير تطلعاتها.

كان تصاعد هذه الدولة المباركة في سلالم الرقي يذهل ويحبط مخططات الراسخين في الجهل من الظلاميين. وكان هذا التطور يتصادم مع أجندة كثير من الدول التي وصل قادتها إلى كرسي الحكم بالانقلاب والانتهاز والبطش والعسكرة. كانت المملكة سائرة في طريق الانفتاح في مواجهة سدنة الانغلاق. وكانت المملكة صاعدة ذرى التقدم في مواجهة مريدي الانكفاء، وكانت دولة التسامح في مواجهة قوى الانتقام. وكانت هذه الدولة المباركة خلال هذه السنين وفي مواجهتها المستمرة متكلة بعد الله على فراسة وصلابة وزير أمنها الأمير نايف بن عبد العزيز، سادن البيت الداخلي السعودي، وعينه اليقظة التي لا تغفو ولا تتثاءب. وكانت المؤشرات كلها تدل على أن نايف بن عبد العزيز هو الرجل المناسب لمثل هذا الملف الشائك.. وقد توالت نجاحاته، يرحمه الله، تباعاً حتى جاءت حادثة الحرم المكي قبل 33 عاماً لتضع الدولة السعودية في الاختبار الصعب بين أدعياء يهزون سيف الدين في أقدس البقع وأطهرها، وبين ضرورة مواجهة هؤلاء الخوارج بما لا يجرح قداسة المكان ولا يطيل أمد المعضلة بما يعطل أداء الشعائر. وبالفعل فقد استطاعت المملكة بكافة أجهزتها وقطاعاتها تطهير الحرم وإعادة الأمن والأمان لأطهر البقاع، ومن يومها عرف العالم أن وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز هو رجل الأمن القوي. كما عرف أبناء هذا الوطن أن "خير من استأجرت القوي الأمين"، وكما هو معلوم فقد تبعت تلك الحادثة نجاحات غير مسبوقة للمملكة وداخليتها في مواجهة "القاعدة" وكل قوى التطرف والمروق والتفجير والتقتيل على نحو لفت أنظار العالم ولوى أعناقها حتى صارت المملكة ونجاحاتها في هذا الصعيد تجربة تحتذى وملاذاً يقتدى.

لقد خسرت المملكة العربية السعودية بوفاة الأمير نايف بن عبد العزيز مدرسة وجامعة أمنية تمشي على قدمين، والخسارة ممتد أثرها وانعكاساتها على المحيط والجوار الإقليمي، لأن نايف بن عبد العزيز، يرحمه الله، كان عرّاب الأمن والأمان في هذا المحيط، وهو العارف والملم بكل التداخلات والتشابكات المعقدة لكل المنظمات التحتية والباطنية والظاهرة والمعروفة، وكثير منها كان يدرس ويخطط ويتآمر خفية في الأقبية والمواقع الإلكترونية المشبوهة هيبة وخوفاً من أمير الأمن وسيده. لكن ما يبعث الطمأنينة في نفوسنا أن هذا الوطن قائم على المؤسسات الراسخة ولا يتكل على الأفراد الراحلين إلى رحمة الله، كما هي سنة الحياة. والمملكة العربية السعودية رحم ولاّدة لجهابذة الحكم والإدارة.. رحم الله الأمير نايف بن عبد العزيز وغفر له نظير ما قدم للوطن والمواطن، وأدام الله هذا الوطن مرعياً بعنايته وحفظه.