لا كلام يفي بالكلام ولا أبجدية قادرة على اختصار آلام الفقد وفجائية الرحيل، يغيب اليوم عن وطن شاسع كرؤيته في الملمات، صلب كثباته في الخطوب، متماسك كوقفاته فيما يستوجب، تنعاه صحراؤه وسواحله، مدنه وقراه وهجره، يبكيه شجره وحجره وبشره، وله في كل منها رؤية وموقف وقرار وشرح وتوجيه وإيعاز، وطن حفظه وحصنه، وكان عقله وقلبه ويده ودرعه وسيفه، عبر به ومعه كل التحديات وامتحانات السياسة والاستقرار، فاعلا ومؤثرا وحازما، شهد بناءه المضني وصعوده المستحق فعزز مؤسساته بثقة رجل الدولة وعمق الرؤية، وبعد المقاصد، فطاب جنى الليالي الطويلة وهو من قضاها بين عبادة ومتابعة شأن بلاد وعباد، يرسم السياسات ويضع الخطط منشغلا بهموم أناسه وأبنائه من مواطني المملكة العربية السعودية في كل تفصيل وجزئية، أناسه وأبناؤه الذين هالهم رحيله، وهم الذين خبروه بينهم في كل لازم، يشد العزائم ويشحذ الهمم ويعطي النموذج في القيادة والمسؤولية والحل والعقد، أمينا صريحا صادقا قويا حكيما، يعفو ويصفح ويستر وينصح ويذكر مخطئا، لكنه الحق فسبحان الحي الذي لا يموت.
نعم؛ تفنى أجساد الرجال لكن آثارهم تبقى على مر الزمن شاهدة على ما بذلوه، ونحن اليوم أمة بذل فيها وعنها ولها ما الله به محيط، فأصبحنا أقوى وأصلب، يوحدنا الوطن بثوابته وقيادته، وفي كل يوم يتعزز إيماننا بذلك وتتوحد رؤانا، لكن مصابنا اليوم كبير لا تستوعبه الجمل أو يحتويه الكلام.
وبعد ذلك كله وفي غرقة الحزن يمكن الهمس في مسامع التلفزيون السعودي الرسمي بأهمية توفير مذيعين ومذيعات بمستوى احترافي يستطيعون قراءة بيانات ينتظرها العالم بلغة سليمة، عوضا عن قراءتها بجملة الأخطاء النحوية واللغوية والارتباكات التي لا تصلح في مثل ذلك المقام، لأننا ببساطة يجب أن نكون على مستوى الحدث حتى في تحديات الحزن، الحزن الذي هو اليوم أكبر من كل شيء مجتاحا المدن والقرى والهجر والسواحل والصحارى، غاشيا الحجر والبشر والشجر.