تمتلك المملكة العربية السعودية أنموذجا رائدا في تمكين المرأة، أرسى دعائمه المغفور له المؤسس الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، فالمرأة السعودية كانت وما زالت محل اهتمام وتقدير حكومتنا الرشيدة، وإحدى المحاور التي تتضمنها الخطط التنموية التي سعت من خلالها إلى تعزيز دور المرأة من كل مناحي الحياة، ومنحها حق المشاركة في صنع القرار، ومشاطرة الرجل في الشؤون السياسية والاجتماعية منذ عهد المؤسس –رحمه الله- حتى يومنا الحاضر.

وفي ذكرى اليوم الوطني الثالث والتسعين، لا بد أن نقف تقديرًا وإجلالًا لصناع التاريخ ورافعي راية المجد، فمن أبهى صور الاحتفال بذكرى اليوم الوطني الكبير في تاريخه وإنجازه هو إحياء ذكر مَن يستحق الذكر، خاصةً من نساء هذا الوطن المجيد، وتأتي في مقدمتهن الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الفيصل، شقيقة الملك المؤسس، وعزوته التي ينتخي باسمها، والتي كان لها التأثير العظيم والمباشر في تشكيل المشهد العام في أثناء استعادة ملك الآباء والأجداد على يد الملك الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، حيث لعبت دورا مؤثرا في صنع الأحداث، ومواكبة التطورات السياسية والاجتماعية خلال القرن العشرين.

نورة سيدة الجزيرة العربية الأولى


الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الفيصل، الأخت الشقيقة الكبرى للملك المؤسس -رحمه الله- والأقرب إليه، ولدت في مدينة الرياض عام 1292 هـ/1875 م، والدتها الأميرة سارة بنت أحمد بن محمد السديري، وتعلمت مبادئ القراءة والكتابة في زمن ندر فيه وجود نساء متعلمات، ولعل هذا هو أحد أسرار وعيها المبكر ورجاحة عقلها وسداد رأيها، حيث تمتعت الأميرة نورة بحكمة وحنكة، حتى قيل عنها إنها امرأة تحمل عقول أربعين رجل. تزوجت من الأمير سعود بن عبدالعزيز بن فيصل، الملقب بـ«سعود الكبير»، وهو ابن عمها، وأنجبت منه الأمير محمد بن سعود، الملقب بـ«شقران»، والأميرة حصة، والأميرة الجوهرة.

نورة نخوة الملوك

كان الملك عبدالعزيز ينتخي باسم نورة في الحرب وهول المواقف الصعبة، خاصًة في أثناء معارك توحيد المملكة، قائًلا: «أنا أخو نورة.. أنا أخو نورة» أو «أنا أخو الأنور معزي»، وهي كلمة سجلها التاريخ السعودي، لتطلق على آل سعود بشكل عام «إخوان نورة»، حتى أضحى اسم «نورة» يحتل مركز الصدارة، ومن أكثر الأسماء شيوعا في المجتمع السعودي.

نورة صانعة المجد

اشتهرت الأميرة نورة بدورها الإيجابي ووقفاتها المشرفة مع أخيها الملك عبدالعزيز، فهي مُلهمته الأولى وكاتمة أسراره، وداعمته لاستعادة الرياض مرة أخرى، بعد سقوطها تحت حكم آل رشيد. في هذا الصدد، يذكر أحد المؤرخين المعاصرين أن الأميرة نورة كان لها الفضل في تشجيع أخيها، واستعادة همته بعدما أخفق مرتين في استعادة الرياض، وعاد إلى الكويت حزينًا، فدخلت عليه أخته نورة، قائلة: «لا تندب حظك كالنساء.. إن خابت الأولى والثانية، فسوف تظفر في الثالثة. ابحث عن أسباب فشلك، ولا تكثر من إقامتك عند امرأتك أو في بيت أمك، فالرجال لم يخلقوا للراحة». كذلك يذكر أن الملك عبدالعزيز دخل على أخته الأميرة نورة يومًا، وهي تأكل تمرًا، فناولته حبة تمر، وقالت: «متى تستعيد تمور الأحساء؟»، فنفض يده، وكأن هذه العبارات زادت من حماسه وعزمه على المضي في طريق المجد، وتوحيد مملكته، وأدرك أن المجد لا يؤخذ بل ينتزع بالقوة، كما في قول المتنبي:

لا يُدرِكُ المَجدَ إلا سَيّدٌ فَطِنٌ

لِمَا يَشُقُّ عَلى السّاداتِ فَعّالُ

وبالفعل، نجح الملك المؤسس في استعادة ملك آبائه وأجداده بعد معركة الرياض في 1902 م، ويعد فتح الرياض الخطوة الأولى لتأسيس المملكة العربية السعودية. وبعد أن استتبت الأمور في نجد، أكملت الأميرة نورة دعمها ومساندتها لأخيها المؤسس، حيث أزاحت عن كاهله الكثير من المسؤوليات، وبرز دورها العظيم في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية. ومن نماذج بروز دورها المؤثر أن الملك كان يعتمد عليها في تسيير أمور نساء العائلة، وحل مشاكل القصر الداخلية. كما تولت الإشراف على جميع ما يخص شؤون النساء في الدولة بشكل عام. أيضًا كانت المسؤولة عن بعض الأمور التي تتعلق ببعض القبائل ممن تربطهم بالأسرة المالكة روابط نسب أو قرابة. كما عهد إليها الملك مهمة استقبال ضيفات البلاد الأجنبيات، خاصة في مواسم الحج، فضًلا عن مبادراتها الخيرية الرائدة، حيث كانت الأميرة نورة تشفع عند الملك للكثير من المحتاجين وأصحاب القضايا، بصفتها المستشارة الأولى لشقيقها الملك المؤسس، وبقيت على هذا الحال حتى توفيت -رحمها الله تعالى- عن عمر يناهز السابعة والسبعين في 1368 هـ/1949 م.

وفي خطوة نابعة من الاعتزاز بالتاريخ الأصيل، وتخليدًا لذكرى صاحبة السيرة العطرة، وجه الملك عبدالله –رحمه الله- بإطلاق اسم الأميرة نورة بنت عبدالرحمن على إحدى أكبر الجامعات في المملكة العربية السعودية.

أيضًا من منطلق الرؤية العظيمة رؤية 2030، التي تستهدف خدمة الموروث الثقافي، وجه سمو ولي العهد بترميم قصر الأميرة نورة بنت عبدالرحمن على نفقته الخاصة، الذي عرف بقصر «الشمسية»، الواقع في حي المربع بمدينة الرياض، والذي شهد الأحداث التاريخية التي غيرت مجرى التاريخ خلال القرن العشرين.