كان الانطباع العام عن المسيار أنه وسيلة بعض كبار السن من رجال الأعمال أو المشايخ أو من يسافرون خارج أماكن إقامتهم في الداخل والخارج للاستمتاع بالحياة والبعد عن الحرام، أو بعض الشباب طلاب المتعة السريعة الحلال، ولا يكلفهم ذلك مالا وفيرًا، ولا أعباء اجتماعية أو أسرية، ولا ارتباطات إنجاب وغيرها، كما يكفل لهم السرية التي تحفظ كيان الأسرة الأساسي المعلن في المجتمع، كما يوفر للمرأة احتياجاتها المادية والجسدية في إطار بعيد عن الحرام، وتمنعها ظروفها من أن تتزوج زواجًا عاديًا متعارفًا عليه في المجتمع، ومع ذلك فإن معظم فئات المجتمع ترفضه وإن كان شرعيًا، كما تستهجنه أوساط الشباب.

واليوم عاد زواج المسيار إلى الواجهة، وانتشر بوتيرة متسارعة في المجتمع السعودي حتى من الشباب والفتيات، وخاصة المطلقات والأرامل، وهو زواج بلا قيود تقليدية يتم غالبًا في السر، ومنه ما هو معلن، خصوصًا لدى الرجال غير القادرين على تحمل تكاليف حفلات الزفاف الباهظة.

وعادة ما تتنازل فيه الزوجة عن بعض حقوق الزواج التقليدية مثل السكن وتحمله المسؤولية والمصاريف، وكذلك يسعى الرجال من خلاله للحصول على غطاء ديني لعلاقاتهم الجسدية، فيما تلجأ بعض النساء إلى زواج المسيار هروبًا من العنوسة أو بداية جديدة للمطلقات والأرامل، وهناك من تخشى أن يسعى طليقها عبر القانون الحصول على حضانة أبنائها إذا اكتشف أنها تزوجت، وأصبحت التطبيقات والمواقع والشبكات الاجتماعية هي وسيلة التواصل والنقاش والاتفاق.


العفة والتوفير هدف الشباب

أحمد مختار (28 عامًا، موظف قطاع عام) قال إنه سيلجأ إلى زواج المسيار بسبب التكاليف المرتفعة لحفلات الزفاف في القصور والفنادق، ويوضح ذلك بقوله: اشترطت على خطيبتي إقامة حفل في قاعة كبيرة في فندق 5 نجوم، وأنا لا أرى أهمية لهذا الأمر، فلا يمكن أن أضع كل ما جمعته من المال طوال سنوات مضت في حساب الفندق من أجل المباهاة أمام الناس، ولذلك اخترت اللجوء إلى زواج المسيار نظرًا لوجود حاجات في نفسي، أهمها العفة عن ارتكاب أي عبثية، فهي ستكون تحت مظلة زواج شرعي.

أما محمد الأحمدي (24 عامًا، موظف قطاع خاص) فيقول: سأتزوج بطريقة المسيار، ومستعد للتنازل عن كثير من الشروط، فلا اشترط الجمال أو العمر الصغير، حيث إنني لا أستطيع توفير مهر لا يقل عن 30 ألف ريال، وكذلك الذهب والهدايا، والسفر إلى الخارج لقضاء شهر العسل.

ويضيف: قررت الزواج بطريقة المسيار لأن الزوجة ستوفر البيت، وهي مطلقة وموظفة، ولا تطالبني بمهر أو مطالب تفوق قدرتي المالية، بينما هي تحتاج إلى من يشاركها حياتها، ويسافر معها ويخرجها من الشعور بالوحدة والعزلة.

الحب والكرامة هدف الفتيات

منال يوسف (30 سنة، موظفة) تقول: إنها لجأت مؤخرًا إلى زواج المسيار بعد طلاقها لأنها أحبت الرجل، ولأن لها احتياجات جسدية، وهي لا تزال صغيرة في السن، وبالفعل عندما تزوجت أصبح يزورها زوجها في بيتها، فهي موظفة وقادرة ماديًا، ولا تحتاج مساهمته في مصروفات المنزل، إنما تريد أن تسكن معه وتتشارك معه الحياة، ويعوضها عن الحب والحنان الذي افتقدته مع طليقها، وتتابع: زواجنا معلن، وزوجته الأولى تعرف عنه، ولم تعترض كثيرًا؛ لأن بينهما الحياة الزوجية كانت مستحيلة بسبب المشاكل، وزواجي شرعي، ونحن نظهر أمام المجتمع ونسافر سويًا.

أما هيفاء ناجي (35 عامًا، موظفة) فتقول: كنت أنا من يريد زواج المسيار بصورة سرية خشية من طليقي أن يأخذ ابني مني، وكنت بحاجة إلى السفر، لأن إخوتي لا يسمحون لي بالسفر وحدي، ولا الخروج مع صديقاتي، إنما بعد زواجي حصلت على الحرية والكرامة معه، ذلك رغم أن ابني يسكن مع أمي في بيتها المستقل عنا.

المسيار حل أم حيلة

هنا يطرح السؤال نفسه: هل يمكن أن يكون زواج المسيار حلا؟ أو أنه وسبة مستعجلة لتحقيق أهداف مشروعة بطريقة سهلة وسريعة، يرد الإخصائي الاجتماعي محمد الحمزة على سؤال الـ«الوطن» قائلا: إنه حل بالفعل، وأتمنى لو تنتشر ثقافة زواج المسيار كونه زواجًا شرعيًا، ويوضح الحمزة ما استقر في الأذهان بأن زواج المسيار غير قانوني، لكن الفكرة عنه بشكل عام أنه اتفاق بين طرفين بمحض إرادتهما، فليس هناك أمر خطأ بشكل مطلق أو أمر صحيح مطلقًا، فقد يكون الاختيار يناسب الشخصين وإن لم يناسب الآخرين، ومن يرضى به يتحمل نتائجه.

يقول الحمزة: مرت حالة في العيادة لدينا لزوجة اشتكت من أن زوجها المسياري طلقها برسالة نصية، بسبب أنها سألته عن إمكانية حملها، وعندما جاء إلى العيادة اتضح أنه رفض استفسارها لأنه اشترط عليها من البداية عدم التفكير بالإنجاب، خاصة أن لديها 3 أطفال من زوج سابق، وأن هذا اتفاق بينهما مسبقًا، وشرطه في هذا الزواج محدد رغم تقديره لمشاعرها كأم.

5 أسباب ليكون المسيار حلا

يضع الحمزة 5 أسباب تجعل من زواج المسيار حلا أمام الكثيرين، يقول: أولا يعتبر المسيار سدًا لحاجة الطرفين بطريقة شرعية، وثانيًا هو أقل تكلفة من الناحية المادية، وثالثًا هو علاج لمشكلات نفسية واجتماعية، فالشخص الذي يشعر بالوحدة أو العزلة أو عدم الثقة في النفس بسبب خلافات زوجية يعانى منها، فإن هذا الزواج يعزز من درجة استحقاقه الذاتية، ورابعًا يعتبر ملاذًا أو هروبًا من مشكلات نفسية واجتماعية وضغوطات العمل، وخامسًا يمثل تبادل مصالح ومنافع فكل طرف يحتاج للآخر اجتماعيًا أو نفسيا أو جسديًا.

ويضيف: في الجانب الآخر يحد زواج المسيار من ارتكاب أي نزوات سلبية، فالعلاقة هنا شرعية مع أنه يعيبه الخلل القانوني إلا أنه أفضل من علاقات بدون قيود شرعية.

سلبيات المسيار

ترى أخصائية الأسرة، مها آل جابر، أن سلبيات زواج المسيار أكثر من إيجابياته، فقد يؤدي إلى نشأة أطفال يفتقدون إلى الأب أو الأم، وتحرم الزوجة من حقوقها التي يفترض أن يحققها الزواج من استقرار ومسؤولية وإشهار ونفقة ومبيت ومسكن وذرية، حيث يشترط الكثير من الرجال في زواج المسيار عدم الإنجاب، وتضيف: إن المرأة عندما تقبل بزواج المسيار لا تعتبره حلا مطلقًا؛ لأنها تفتقد إلى الزوج الطبيعي، إنما تضطر إليه بسبب خشيتها من طليقها على أبنائها أو حاجتها إلى العلاقة الزوجية الخاصة أو احتياجها إلى شريك يشاركها حياتها اليومية، وتسافر معه لقضاء أجازاتها وتشعر بوجود رجل يسندها.

المسيار نظامًا

حول زواج المسيار في النظام، أوضح المحامي والمستشار القانوني، معتز طلعت ناقرو، أن نظام الأحوال الشخصية لم يضع تعريفًا لزواج المسيار ولم يتناوله، وقال: اشترطت الفقرة (1) من المادة (الثامنة) من نظام الأحوال الشخصية أنه يجب على الزوجين أو أحدهما توثيق عقد الزواج، وفي ذات الوقت، أجازت الفقرة (2) من ذات المادة المذكورة لمن سبق له الزواج ولم يوثق عقده أن يتقدم بطلب لإثبات الزواج، ويعني ذلك أنه يجوز نظامًا لمن عقد على امرأة بزواج مسيار أن يبادر بتوثيق هذا الزواج أو إثباته.

وعن شروط وأركان زواج المسيار في النظام قال: حددت المادة (الثانية عشرة) من نظام الأحوال الشخصية أركان عقد الزواج في ركنين فقط، الأول (الزوجان) رجل وامرأة، والثاني الإيجاب والقبول، كما حددت المادة (الثالثة عشرة) من ذات النظام شروط صحة عقد الزواج في خمسة شروط وهي: تعيين الزوجين، رضا الزوجين، الإيجاب من الولي، شهادة شاهدين، ألا تكون المرأة محرَّمة على الرجل تحريمًا مؤبدًا أو مؤقتًا.

وأضاف: أكدت المادة (الحادية والثلاثون) من ذات النظام على أنه يكون عقد الزواج صحيحًا إذا توافرت أركانه وشروطه، ويرتب آثاره من حين انعقاده، ولم تشترط المادة المذكورة لصحة عقد الزواج توثيقه، وأكد أنه يستفاد من المواد سابقة الذكر أن توثيق عقد الزواج ليس من أركان أو شروط صحة عقد الزواج وإنما التوثيق لإثباته، وبالتالي فإن زواج المسيار يكون صحيحًا إذا توافرت له الأركان والشروط المنصوص عليها بالنظام، ثم يلزم بعد ذلك توثيق ذلك الزواج أو إثباته كما سبق الذكر.

أنواع المسيار

يوضح ناقرو الفرق بين أنواع من المسيار تتداول بين المسياريين كالمعلن وغير المعلن والشرعي والقانوني، أما زواج المسيار المعلن فهو الزواج الذي لا يقتصر العلم به على الزوجين والشاهدين والولي، بل يحرص الزوجان على إشهاره وإعلامه للكافة دون تمييز.

المسيار غير المعلن: هو الذي يحرص الزوجان على إخفائه وقصر العلم به على الشاهدين وولي الزوجة أي قصر العلم به على من حضر توقيع عقد الزواج فقط، وكلا العقدين المعلن وغير المعلن صحيحان من الناحية النظامية، ويمكن توثيقهما وإثباتهما عملاً بالفقرة (2) من المادة (الثامنة) من نظام الأحوال الشخصية متى توافرت الأركان وشروط الصحة المنصوص عليها بالنظام والسابق ذكرها، ويجدر الإشارة إلى أن المشهور عند المالكية عدم صحة نكاح المسيار إذا كان في السر، لقولهم ببطلان نكاح السر، وذلك على خلاف غيرهم من الفقهاء.

وهناك من يرى أن المسيار الشرعي، هو ما تم توثيق عقده نظامًا، والمسيار القانوني هو ما توافرت فيه أركان الزواج ولم يتم تسجيل العقد نظامًا، وإنما تتم كتابته دون توثيق.

أما في حالة الإنجاب، وإذا رفض الزوج أن ينسب الطفل أو الطفلة فيقول ناقرو: هذه الحالات نادرة، لكنها موجودة، فقد حدث أن الأبناء أن ينسبوا إلى الأب عندما أصبحوا بالغين، وفي حال رفض الأب نسب الأطفال إليه فهنا يطلب القاضي تحليل (DNA)، ويجبر الأب على الاعتراف بهم وتسجيلهم رسميًا.