لا يمكن إشباعُ نَهَم هذه الجماعات في البحث عن الجنود، الذين لا يناقشون ما تقوله الجماعات المتطرّفة، وفق تحليلاتها الساذجة، وتأصيلاتها العبثية، متى كانت الشريحة المستهدفة من المتعلّمين المحصّنين بثقافة عالية، وولاء لأوطانهم، لذا فإنَّهم يتجهون إلى الفئة الأضعف، تبعًا لنوع الحجج التي يعتمدون عليها، فعُمدتهم الدعاية المضللة، والكراهية المبنية على الشطط العاطفي، ولا تسلم لهم ما دام من يسمعهم يراجع من ورائهم، ويدقق في صدق ما يقولونه، وبهذا فإنهم يريدون فئة يسهل عليهم إبهارها، وتحويلها إلى آلات تنفيذ، إنهم الأطفال، ففيهم يجدون بغيتهم، ويستطيعون أن يلقنونهم ما يشاؤون، متى أمكن تحبيب هؤلاء الأطفال بالقائم على توجيههم، وهو المتقمّص دور الرعاية، كذئب في صورة حَمَل، فيعملون على تحبيب أولياء أمور الأطفال بنشاطهم، لذا عملوا مدة طويلة على تأسيس جمعيات خيرية تابعة لهم، حتى يتألفوا قلوب الأسر المستهدفة، عن طريق الدعم الذي يقدّمونه، قبل أن يختطفوا أبناءهم منهم.
والنشاطات التي حاولوا بها أن يحكموا قبضتهم على الأطفال متعددة، منها: المخيمات الصيفية، ففيها يقومون بنشاطات ترفيهية، يتوق الأطفال إليها بعد جدّهم في الدوام المدرسي، ويشحنونها بمعانٍ متطرفة، مثل جمع الأطفال في طابور، وإضفاء طابع عسكري عليهم، وجعلهم يحفظون ويرددون قصيدة السكرتير العام لجماعة الإخوان عبدالحكيم عابدين:
هو الحق يحشد أجناده***ويعتدُّ للموقف الفاصل
فصفوا الكتائب آساده***ودكّوا به دولة الباطل!
هذا النشاط يضمن لهم التسرّب إلى الأطفال في وقت عطلتهم، وبهذا يقيمون بديلًا عما تلقاه الأطفال في المدارس، ويحوّلون الرياضة إلى جندية، عبر تلقين الأطفال بأنهم يعدّونهم لشيء أكبر من مجرد التمرين العضلي، وكان سعيد حوّى القيادي في الجماعة قد خصص الكثير من صفحاته لهذه الأفكار، لتحويل الأطفال إلى معسكرات تدريب.
يرافق هذا السعي الدائم لاختراق التعليم، مثل التواصل مع المدرسين في مختلف المراحل، والسعي لتحويلهم بدعاية مكثفة إلى التعاطف مع جماعة (الإخوان) وفروعها، والترقي في تحويلهم من (أنصار) إلى (أعضاء)، ليشكلوا منهم كادرًا تنظيميًا، يتواصلون فيما بينهم، ليصبح هذا الكادر معدًّا لضم من يريدونه من الطلّاب، ومن أهم الأساليب التي اتبعوها: افتتاح (مدارس خاصة) تابعة لهم، حتى يبتعدوا بهذا عن الرقابة، والإشراف الحكومي، الذي يعكّر عليهم صفو مشاريعهم، فيوظّفون في تلك المدارس مدرِّسين تابعين للجماعة، ويعملون بنفَس طويل يتوزع على الطلاب في مختلف صفوفهم التعليمية.
هذه الطرق عملت عليها الجماعات المتطرفة بمختلف فروعها، وعلى رأسها الإخوان، ولا تزال تعمل عليها في العديد من المناطق، لكن مع التضييق على نشاط الجماعة في العديد من الدول العربية فإنهم نقلوا نشاطهم إلى العالَم الرقمي، ليضمنوا وصولهم إلى الشريحة المستهدفة من الأطفال، وكان ما سبق أن تعرّضتُ له مرارًا من افتتاح (أكاديميات) تزعم أنها تعليمية، وتقوم بإصدار (شهادات) غير معترف بها، يقوم عليها مدرّسون متطرفون، يهندسون الطلّاب الذين كشفت مقاطعهم التي يبثونها أنهم في مقتبل أعمارهم، أطفال صغار، هم الشريحة المستهدفة، فيشحنونهم عقديًا على مجتمعاتهم، ويلقنونهم الكراهية على دولهم وفق مشروع بعيد المدى.
إنَّ تعليم الأطفال يعد اليوم من أكثر القضايا تعقيدًا، لما يلفه من حساسية، وأهمية، إذ إنَّ ما يتلقاه الطفل في صغره يؤثر في طريقة تفكيره مدى حياته، ولذا فإنَّ المراكز البحثية المتنوعة في العالم تعمل على دراسة أفضل الطرق في رعاية الأطفال، لرفع مداركهم، وتنمية عقولهم النقدية، ليتجاوز كل جيل من سبقه في العلم والمعرفة والقدرة على التحليل والإبداع، وبهذا تتقدّم المجتمعات، ولذا يجب التنبه دومًا لما تحيكه جماعات التطرف، من السعي الدائم للوصول إلى الأطفال.