تحولت «العودة إلى المدارس» شعارًا لدى بعض البنوك التي روجت به لحملاتها للتمويل الشخصي، والتي تستهدف دعم وتمويل عملائها لمساعدتهم على قضاء متطلباتهم خلال موسم بداية السنة الدراسية من المستلزمات الدراسية بشروط معينة يفرضها البنك على العملاء.

وعلى الرغم من أن التمويلات الشخصية متاحة منذ وقت طويل وبأشكال كثيرة متباينة، إلا أن المتلقين انقسموا حول تحول بداية العام الدراسي إلى مناسبة تحتاج تمويلا لتضاف إلى مناسبات أخرى عدة يرتفع فيها الإنفاق ويدفع البعض إلى طلب التمويل والاقتراض مثل الأعياد والإجازات وغيرها.

فكرة ومسار


ترى الأخصائية الاجتماعية، المدربة لبرنامج تثقيف الأم والطفل، نوال الأسمري، أن فكرة التمويل الشخصي تبقى جيدة كفكرة في حال وضعها في مسارها الصحيح؛ لأنها في النهاية تعد خدمة مالية للأفراد توفر لهم السيولة المالية التي يحتاجونها في ظرف ما،

وقالت «تنوعت النسخ الحديثة للتمويلات الشخصية وباتت أكثر تجددًا وجذبًا للفرد، حيث تعمل المؤسسات المالية على خطط مدروسة لتسويق التمويل وتسهيله للعميل الذي يحرص بدوره على الحصول على السيولة النقدية من مصادر التمويل المرخصة والنظامية».

وتضيف «لو كان الدافع لطلب التمويل ملح ومدروس ولدى الفرد خطة واضحة لأهميته وللاستفادة منه بشكل واعٍ لصح القول بإنه إيجابي وداعم لبعض الأفراد الذين لديهم أفكار ابتكارية أو أوضاع مختلفة، لكن المشكلة فيما بتنا نراه في الآونة الأخيرة من توجه كثيرين من الأفراد إلى طلب التمويل لمجر الاقتناء الاستهلاكي وصولاً للكماليات والترفيه، حتى بات التمويل أسرع الحلول لدى فئة من المجتمع».

وحذرت الأسمري من أن مبلغ التمويل سرعان ما ينتهي، ويتحول بالتالي إلى حمل كبير أضافه رب الأسرة على كاهله بات يؤثر بشكل إجمالي على دخل الأسرة وينعكس بصورة واضحة على كل فرد فيها، ويزداد الأمر سوءًا إذا تبنى رب الأسرة أو أفرادها هذا الفكر الاستهلاكي، حيث شهدنا في السنتين الأخيرتين تغيرات جذرية في طريقة شراء السلع والمستلزمات مثل «اشتر الآن وادفع لاحقًا» (BNPL)، مما يجعل الفكرة في بدايتها سهلة وميسرة، حيث إنها من الحلول التي أتيحت للعملاء بعد جائحة كورونا والتي لها ميزات عدة لكن سرعان ما يتعرض البعض لتعثر في دفعها كل شهر، وبسبب هذه التعثر صار هناك مسار قانوني ومطالبات كثيرة ومتعددة في هذا المجال.

وتابعت «لا شك أن سهولة الحصول على تمويل أو اعتماد مبدأ اشتر الآن وادفع لاحقًا دفع كثيرين للانجراف نحو اقتناء الكماليات، وتراكم الدفعات دون احتياج واضح لمن ينقصهم الوعي المالي وأساسيات الاستهلاك المالي، وقد شهدت المملكة ارتفاعًا ملحوظًا في نسب طلب التمويل الشخصي، استنادًا إلى إحصائية البنك المركزي السعودي (ساما)، حيث ارتفعت من 2.442 في عام 2018 بالتدرج إلى أن وصلت في عام 2022 إلى 19.194 طلبًا».

ولم تنكر الأسمري تأثير ارتفاع الرسوم الدراسية على اضطرار البعض إلى اللجوء لطلب التمويل الشخصي، وقالت «ما نشهده حاليًا صار عبئًا ماليًا جديدًا على كاهل كل أسرة لديها أبناء في مراحل التعليم الأساسية أو الجامعية، حيث نرى تزايدًا واضحًا في رسوم بعض المدارس الأهلية والعالمية تزامنت مع تحويل الدراسة إلى 3 أترام، حيث يصبح الوالدان في نهاية كل عام دراسي أو بدايته في مرحلة سعي وبحث يصاحبها قلق عال وحساب للميزانية للبحث عن المدرسة أو الجامعة المناسبة في حال عدم القبول في الجامعات الحكومية، حيث يشكل صراعًا لدى بعض الأسر بين الخدمة المرجوة وبين القيمة العالية المقدمة حيالها، لذلك على الأسر أن تضع خطة بحث لمدرسة تتطابق مع امكانياتها وقدراتها، وأن تكون جودة مخرجاتها متناسبة مع أهدافها وإمكانياتها».

وختمت «ثمة صعوبة جدية أكبر تواجهها جميع الأسر بلا استثناء، وتتمثل في توفير المستلزمات الدراسية أو المبالغة في تحضيرها، وهي مستلزمات تتضاعف قيمتها في بعض المتاجر تزامنًا مع بدء الدراسة إلى ضعف قيمتها السابقة، وهنا لابد أن يكون للأسرة ترتيبًا للأولويات من خلال الحوار بين أفرادها لتحديد الاحتياجات الأساسية، ووضع خطة مسبقة للاستفادة من العروض السابقة كي لا يقعوا فريسة سهلة لجشع التجار في مرحلة بدء الدراسة».

فخ الثقافة المالية

ذكر المستشار الأسري والتربوي بلقاسم البركاتي أن «الوقوع في فخ القروض والتمويلات الشخصية يعود للثقافة المالية لدى الأسرة، ويعود إلى قدرتها على التخطيط المالي».

وتابع «لا شك أن لدينا بعض المناسبات المعروفة والمحددة يكون الصرف فيها وعليها عاليًا مثل الأعياد والإجازات وبداية العام الدراسي، فيما يكون الإنفاق منخفضًا خلال بقية أيام السنة، وهنا تبرز أهمية الإدارة الاقتصادية للموارد المالية للأسرة، بحيث يمكنها ادخار ما تستطيع لتجنب الوقوع في فخ الاحتياج إلى القروض التمويلية».

وشدد البركاتي على مخاطر الانجراف خلف ترويج بعض المشاهير، وقال «من أسباب ارتفاع الإنفاق، الإنجراف وراء الدعايات الوهمية لبعض المشاهير لشراء سلع قد لا تحتاج إليها الأسرة، لكن تفعل فقط من باب مجاراة الآخرين واللهاث وراء الترندات، وعلى الأسرة أن تتحلى بذكاء اقتصادي يجعلها تقتصر على شراء ما هو ضروي وما تحتاج إليه فعلا فقط».

وأردف «سهلت التطبيقات المختلفة للتمويل وقوع كثيرين فريسة للقروض دون تفكير في عواقب ذلك، لذا على رب كل أسرة التعامل بذكاء مع متطلبات الأسرة اليومية والموسمية، بحيث يوازن بين احتياجاتها ومقدرته المالية، حتى يتجنب اللجوء إلى القروض التمويلية، ولعل وجود سلع متاحة بأسعار مختلفة لكافة فئات المجتمع تجعل من المفاضلة بينها أمرًا حميدًا ومطلوبًا».