فيما بلغت أنواع الطيور المسجلة بالتحديد في السعودية 499 نوعًا، بينها 401 نوع من الطيور المقيمة أو المهاجرة، و11 من الطيور النادرة التي تظهر بشكل منتظم في المملكة التي يزورها 87 نوعًا من الطيور الشاردة، بلغ عدد الطيور الذاهبة نحو الانخفاض في أعدادها 21 نوعًا، على الأخص الطيور الكبيرة التي تتناقص بسرعة أكبر من الطيور الصغيرة.

ويشكل تناقص أعداد بعض أنواع الطيور خسارة كبيرة للتراث الطبيعي للمملكة، وكذلك وعلى نفس القدر من الخطورة خسارة مماثلة لتراثها الثقافي، حيث مثّل ذكر الطيور في فنون العرب وأشعارهم وأغانيهم وكلامهم ورياضاتهم دليلًا دامغًا على أنها شَكْلَتْ جزءًا من وعي الإنسان في المنطقة، وربما بدرجة تفوق التصورات، حيث كانت جزء من عالمه الداخلي بقدر ما هي جزء من عالمه الخارجي.

وخسارة أنواع من الطيور لا تعني حرمان النظام البيئي من كائنات تقوم بدور مهم في حفظ توازنه، بل تعني كذلك حرمان إنسان المنطقة من كائنات شكلت بعض هويته وتراثه.


تاريخ الطيور

بذهول شديد تفاعل عرب شبه الجزيرة العربية مع الطيور التي أدهشتهم أشكالها وأصواتها وقوتها ووداعتها في أرضهم القاسية، ففكرة وجود طيور في أراض بهذه القسوة أو حتى مجرد سماع صوته كان أمرًا له حضوره القوي المتجذر في الفكر العربي وله ديمومته في فنون العرب الأوائل وأشعارهم وموسيقاهم وتراثهم على حسب ما يؤكده كتاب «الطيور في السعودية» الذي وضعه جملة من المتخصصين، من بينهم أحمد البوق من الهيئة السعودية للحياة الفطرية والذي عني بالمساهمة في الفصل الثاني من الكتاب في جزئه الأول، والذي حمل عنوان «الطيور والثقافة العربية».

مئات السنين

يعيد المختصون تناول الشعر العربي للطيور كموضوع ذا شأن إلى مئات السنين في التاريخ، حيث تم تناولها والتركيز عليها في قصائد يرجع تاريخها إلى ما يزيد على 1400 عام، كما تزخر الأمثال العربية والحكايات والأغاني الفلكلورية بذكرها، ناهيك عن ذكرها كذلك في القرآن الكريم.

البوم والغربان

لم تكن الثقافة العربية، ولا حتى الثقافات في مختلف أنواع العالم منصفة تجاه الطيور دائمًا، بل صنف كثير منها بعض أنواع الطيور على نحو قاس وغير منصف، جعلها طيورًا عاثرة الحظ، حيث تم ربطها بالفواجع، ونُذر الشر، وهو ما كرسته قصائد الشعراء وحتى الأمثال والأقوال في شبه الجزيرة العربية.

ولعل البوم والغربان من أكثر الطيور التي كانت عاثرة الحظ ورُبطت بالفجائع، فهي لم تنل أي حظوة، وما زالت الغربان مكروهة في بقاع كثيرة من العالم حتى أن صوتها وحده يثير اشمئزاز كثيرين تبعًا لما عرفوه وأثر بهم من موروث.

وينتقد كثيرون الغربان لاعتقاد قديم بأنها تقتل الماشية، لا سيما الأغنام والماعز، فعندما يرى البعض غرابًا يأكل من جيفة ما، يتراءى لهم أنه هو من قتلها. ولكن حقيقة الأمر هي أن الغربان عادة ما تأكل من جيف الحيوانات الميتة بالفعل.

ووجد الشعراء في هذه الطيور الكبيرة ذات اللون الأسود القائم التي عرفوا عنها أنها تقتل الحيوانات الأخرى منجم ذهب شعري، حيث ارتبط الغراب بني الرقبة والغراب مروحي الذيل في الشعر العربي عمومًا بالفواجع فهي تتغذى على الأجزاء الطرية من الجثث مثل العيون.

وأطلق على الغربان عدد من الأسماء في الشعر العربي، منها غراب الفلا، ما يعكس قدرتها على العيش والتعشيش حتى في أعمق الصحارى، والغراب الأسود وغراب البين وطير الشام.

كما لعن بعض الشعراء الغربان مدعين بأنها كانت السبب في مغادرة من يحبون، فقال مجنون ليلى (توفي 687 للميلاد):

نعم جادت العينان مني بعبرة

كما سل من نظم اللالي تطارح

ألا يا غراب البين لا صحت بعده

وأمكن من أوداج حلقك ذابح

يروع قلوب العاشقين ذوي الهوى

إذا أمنوا التشحاجَ أنك صائح

البومة والانتقام

ارتبطت البومة في الثقافة الغربية بالحكمة، لكن دلالاتها في الشعر العربي بقيت سلبية، فاستعملت للدلالة الرمزية على الرجل الضعيف، وشبه صوتها بعويل الأم الثكلى، وكذلك للدلالة على الأراضي القفراء الموحشة، حيث قال عبيد بين الأبرص (توفي 554 للميلاد):

وخرقٍ تصيح الهامُ فيه مع الصدى

مخوّفٌ إذا ما جنّه الليل مرهوب

كما ربطت قصائد عدة البومة برباط وثيق مع الموت والانتقام، كما استعملت لتصوير هول القتال، حيث يقول عبيد بين الأبرص:

في كل واد بين يثرب

والقصور إلى اليمامة

تطريب عانٍ أو صياحُ

محرّقٍ وزقاءُ هامة

الـ«رُخُم» ونذر الشر

يُظهر الشعر العربي أن الشعراء ميزوا كذلك بين أنواع عدة من النسور التي كانت معروفة في شبه الجزيرة العربية، ففي قصيدة يقارن الشاعر سنام ناقته بالظل المشؤوم الذي يلقيه النسر الآذن، والذي كان يسمى بـ«القشعم» أو «اللباد» أو «المضرح».

وتشير قصائد أخرى إلى نسر بني يطلق عليه أنوق، وكذلك إلى النسر الأسمر.

وكاستعارة للدلالة على بُعد الشيء وصعوبة الحصول عليه، استخدم العرب الأوائل المثال الذي ما يزال متداولًا بأن الشيء «أبعد من بيض الأنوق»، كما استخدم الشعراء الأوائل العش البعيد للنسر الأسمر، حيث يضع بيوضه في الشفوق المرتفعة على المنحدرات الصخرية، وجعلوه أحيانًا رمزا لبعد أشياء عزيزة عليهم ومنها منزل المحبوبة، وهو ما فعله تميم بن مقبل (توفي 679 للميلاد):

بيضُ الأنوقِ بِرَعْمٍ دون مسكنها

وبالأبارق من طلحامَ مركومُ