إن الكلمات لتعجز عن التعبير عن حزننا على ولي عهدنا، الذي لا نزكيه على الله وهو حسيبه لكن قلوبنا وعقولنا رأته وما زالت تراه أسد السنّة، وحامي الفضيلة، والرجل الذي ترك في ذاكرة الأجيال صورة الرجل الصادق الساهر على خدمة الوطن، أو كما تسميه الصحف العالمية (الأمير النزيه).
في الوقت الذي يمثل العسكر ضباطاً وأفراداً في الكثير من البلاد القريبة والبعيدة صورة التسلط والتجبر والطغيان، كان أُسود نايف يمثلون في قلوبنا الإخوة والأشقاء والسند والعون.
فهم الذين يحافظون على الأمن والطمأنينة داخل بلادنا، تشرح مناظرهم صدورنا، ويعزز وجودهم أمننا، وما ذلك إلا لأنهم خريجو مدرسة نايف بن عبدالعزيز، رحمة الله عليه.
إن في سيرته - رحمة الله عليه - الكثير ممّا يستوقفك، وفي أعماله ما تجد فيه عبراً خالدة، وإن من أهمها تعامله مع ملفات الإرهاب.
وهو القائل ـ رحمه الله ـ في مواجهة الإرهاب: "عازمون على اجتثاث الإرهاب، ومن أراد العودة للصواب فعليه الاستفادة من مبادرة العفو".
وهذه العبارة تنم عن الحكمة والوعي الذي كان يتمتع به رحمه الله، ففي الوقت الذي يُسجن فيه ويُعتقل ويُعذب من تشك الدول في مشاركتهم في الإرهاب كانت وزارة الداخلية تسعى لحماية الوطن منهم بالقبض عليهم، وفي الوقت نفسه تنشئ برنامجاً لتأهيلهم وإعادتهم لحياض الوطن، وتبني استراحات ليزورهم ذووهم فيها؛ حتى عاد المئات منهم إلى رشدهم.
وما ذلك إلا لروح التسامح والرحمة التي تنعم بها بلادنا، والتي لا ينكرها إلا جاهل أو عدو مترصد أو حاسد حاقد على عظمة بلادنا ورجالها.
لن ينسى التاريخ أيضاً أن الأمير نايف - رحمه الله - كان ينتصر لكرامة السعودي في بلاده وخارجها، فهو أول وزير داخلية في العالم يعامل الأميركيين بالمثل، فكما يتم أخذ بصمات السعوديين لدى دخولهم أميركا أمر - رحمة الله عليه - بأن تُؤخذ بصمات الأميركيين عند دخولهم المملكة، وما ذلك إلا لشخصيته العربية المعتزة بأصولها وكرامتها، التي ترفض الانحناء لأي كان.
إننا اليوم ونحن نودعه والحزن يُلقي بظلاله على بلادنا نوقن في داخلنا بأن نايف بن عبدالعزيز ترك فينا إخوته وأبناءه وأبناءهم ممن نعتز بهم ويعتزون بنا، وإن أميرنا وإن رحل لله عز وجل، الذي نسأله أن يغفر له ويرحمه ويثبته، إلا أن مدرسته باقية خالدة في قلوبنا وذاكرتنا.