وإن كانت المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - قد أولت عناية كبيرة لإنجاز نهضة تشريعية متكاملة وتعزيز منظومة حقوق الإنسان في المملكة، فإنها قد أولت اهتماما خاصة بشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة، وبذلت جهودًا مقدرة لحفظ حقوقهم، وجعلت استيعابهم في مؤسسات القطاع الخاص ميزة تفضيلية لتلك المؤسسات. كما اهتمت بتوفير فرص تدريبهم لمساعدتهم في الحصول على الوظائف التي تتناسب مع قدراتهم، وتمكينهم وتوفير الخدمات لهم؛ وفق أعلى معايير الجودة.
ولم تكتف المملكة بذلك، بل عملت على تطويرالمنظومة التشريعية التي تحفظ حقوقهم وتصون مكتسباتهم، ومع أن السعودية سبق أن أقرت «نظام رعاية المعوقين» قبل سنين طويلة، إلا أن النظام الجديد يشكّل إضافة مقدّرة للمنظومة القانونية السعودية لأنه جاء متجاوبًا مع المستجدات الحديثة التي طرأت بفعل تقدم الزمن وتغيّر المعطيات لتلبية الاحتياجات الجديدة والمتطورة لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة.
هذه الرؤية المتكاملة وهذا الاهتمام من لدن القيادة الرشيدة بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة ليس وليد اليوم بل يعود إلى عقود طويلة، فقد عرف الملك سلمان - حفظه الله - باهتمامه بهذه الشريحة الغالية منذ وقت طويل، واعتاد بالرغم من تعدّد مشغولياته وكثرة مهامه على العناية بأفرادها وشوهد في مناسبات عديدة وهو يستمع لهم باهتمام شديد ويلاطفهم ويمازحهم وتنطلق ضحكاته معهم من دواخله.
كذلك كان له الفضل في تأسيس جمعية الأطفال ذوي الإعاقة ومركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة الذي عمل منذ تأسيسه قبل أكثر من 35 عامًا على تقديم الكثير من الخدمات لهذه الشريحة الغالية، وأسهم في لفت أنظار المجتمع لها وترسيخ ثقافة التعاطي الإيجابي مع قضاياها.
من أبرز ملامح النظام الجديد أنه يشتمل إضافة للمنظومة الأساسية لحقوق الإنسان على جوانب مرتبطة بجميع متطلبات الحياة؛ كالتعليم والصحة والعمل، والترفيه والثقافة والرياضة ورفع مستوى جودة الخدمات المقدمة، والجوانب الشرعية والاجتماعية، والتصدي لمحاولات التمييز على أساس الإعاقة، والمخالفات والعقوبات حول ذلك، إضافة لمنظومة متكاملة من الخدمات والبرامج والإستراتيجيات التي تؤدي لتمكينهم والوصول إلى مجتمع شامل وموائم.
ولإزالة اللبس والتضارب فقد اهتم النظام بتعريف المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بالإعاقة ومنها تعريف الشخص ذي الإعاقة، وهو «كل شخص لديه اضطـراب أو قصور طويل الأمد في الوظائـف الجسدية، أو العقلية، أو الذهنيـة، أو الحسـية، أو النفسية، قد يمنعه - عنـد تعامله مع مختلـف التحديات - من المشاركة بصورة كاملة وفاعلة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين». مشيرًا إلى ضرورة وضع مجموعة من التدابير تكفل إمكانية وصول الأشخاص ذوي الإعاقة بصورة مساوية لما يتاح لغيرهم إلى البيئة المادية المحيطة بهم ووسائل النقل والمعلومات والاتصالات، بما في ذلك وسائل التقنية ونظم المعلومات والاتصال، والمرافق والخدمات المتاحة للعامة في المناطق الحضرية والريفية على السواء.
كذلك يولي النظام تشديدًا واضحًا على ضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على مبادئ أساسية في مقدمتها عدم التمييز بسبب الإعاقة، وتكافؤ الفرص، وشمول التشريعات والاستراتيجيات والتصاميم الحكومية وغير الحكومية لمتطلباتهم واحتياجاتهم، وأن يتم ضمان أهلية مباشرة التصرفات النظامية لمن بلغ سن الرشد من الأشخاص ذوي الإعاقة، ما لم تمنعه إعاقته من ذلك، وفق الأحكام النظامية ذات الصلة.
كما يؤكد النظام على توفير كوادر معنية بخدمة أفراد هذه الفئة في جميع الجهات الحكومية، وأن يتم تدريب هذه الكوادر ورفع مقدراتها على طرق التعامل والتواصل ورفع الوعي بحقوقهم، وتوفير متطلبـات الوصـول والترتيبات الخاصة، وتمكينهم من الأحكام المنظّمة لذلك، واعتماد طرق بديلة ومناسبة للتواصل معهم، تشمل التواصل اللفظي أو المكتوب أو لغة الإشارة أو غيرها، وذلك لضمان حصولهم على جميع حقوقهم والتمتع بالخدمات العديدة التي توفرها الدولة.
وتأكيدًا على الاهتمام بشريحة الأشخاص ذوي الإعاقة فقد أفردت رؤية المملكة 2030 مساحة كبيرة للحديث عنهم، حيث دعت في جميع محاورها إلى تحقيق الاستقلالية والشمولية لهم، من خلال تعزيز وتحسين الخدمات والتشريعات والسياسات المناسبة، لضمن حصولهم على جميع حقوقهم في المجالات كافة.
هناك لفتة أخرى في غاية الأهمية وتحمل العديد من المضامين والمعاني في دواخلها، وهي أن وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية المهندس أحمد بن سليمان الراجحي يشغل في الوقت نفسه منصب رئيس مجلس إدارة هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، وهو ما يضمن عدم حصول تمييز سلبي ضدهم في الحصول على الوظائف سواء في القطاع العام أو الخاص.
لكل ما سبق، فإن ما تقوم به المملكة في الوقت الحالي من جهود متواصلة لتعزيز منظومتها التشريعية وتعزيز حقوق الإنسان وضمان حقوق جميع شرائح المجتمع هو جهد يدعو للاعتزاز، وسيدعم مكانتها على الصعيد الدولي، وسيكتب التاريخ فصول هذه الإسهامات ويحفظ لقيادتنا الرشيدة مساعيها المتواصلة لرفعة شأن مواطنيها وتمليكهم أدوات التطور والنماء.