هذا هو المقال الثاني عشر في سلسلة مقالات (آلية عمل الصحوة اليوم)، وفي هذا الجزء من المقالات نستعرض محور العمل الاجتماعي في (دراسة نحو فضاء جديد للدعوة، 2001).

كان السؤال الأول في هذا المحور هو: «هل ترى مصلحة في النزول شخصيًا لميدان العمل الاجتماعي؟»، وقد اتضح من خلال الأجوبة، أن أكثر من (61%) ترى أهمية نزول المشايخ ميدان العمل الاجتماعي، داعمين رأيهم بأن العمل الاجتماعي له علاقة واضحة بطبيعة المرحلة.

وترى الدراسة أن العمل الاجتماعي له أهمية كبرى للداعية، والذي لا بّد أن يكون له نشاط اجتماعي بأي شكل من الأشكال، ولذا رأت أغلبية العينة أن هناك مصلحة في نزول الداعية ميدان العمل الاجتماعي بنفسه، لأن ذلك يجعل من الدعاة قادة توجيه للمجتمع؛ لأن الناس تحب من يهتم بأمرهم، غير أن بعض أفراد العينة رأى أن يكون ذلك لبعض الدعاة فحسب، وآخرون رأوا أن ذلك ليس فيه مصلحة؛ حتى لا تختلط الأوراق، وأنه يمكن أن يقوم به غيرهم، أي من نفس التنظيم أو التيار.


وحول السؤال: «هل للعمل الاجتماعي علاقة واضحة بطبيعة المرحلة وفقهها؟»، فقد أجمع المستفتون بأن للعمل الاجتماعي علاقة واضحة بطبيعة المرحلة وفقهها، وهذا ما أوضحه أولئك الدعاة، حيث رأوا أن العمل الاجتماعي له قوة وتأثير في استقطاب أعوان للدعوة، وأن الأسرة هي المدرسة الأولى، وإصلاحها هو المنطلق الصحيح للدعوة، وأن الحاجة ملحة لوجود جسر بين الدعوة والمجتمع، الأمر الذي سيحقق الامتداد الأقصى للدعوة.

أما السؤال عن أنماط العمل الاجتماعي المؤثر، فقد أوضح أفراد العينة أن هناك أنماطًا من العمل الاجتماعي، لها أولوية، ولها أكبر تأثير على الناس والمجتمع منها: العمل على إصلاح ذات البين، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، ورعاية النابهين، والاهتمام بأمور الصحة، والإغاثة، والمؤسسات الخيرية، وكل ما من شأنه سد حاجة المسلمين الأساسية والمعيشية، وأعمال الصلة والمواساة، ومشاريع الزواج، ومشاريع التقسيط المريح في البناء والسيارات، وبعضهم أضاف الجمعيات التعاونية التجارية، والجمعيات المتخصصة، مثل: «جمعية حماية المستهلك»، وركزوا على أهمية مبادرة الإسلاميين والدعاة في تأسيس تلك الجمعيات.

وفي فقرة مهمة، تحدد مجالات اهتمامات الإسلاميين في فترة ما بعد (2001)، يأتي سؤال: «ما إذا كان هناك أساليب أخرى تحبب الدعوة وأهلها إلى عموم الناس؟»، فأجاب أفراد العينة: أن من هذه الأساليب: السلوك الشخصي للداعية، فإن الداعية ذاته هو دعوة، وهذا يتمثل بالتالي: صدقه وأخلاقه وتصرفاته الحسنة بين الناس ومعهم، والتضحية في سبيل المصلحة العامة، وإيجاد روابط اجتماعية، وحل المشاكل الزوجية والأسرية، وإيجاد فرص عمل، والزهد بما في أيدي الناس، وتكثيف مناشط المساجد وغير ذلك من الأمور التي تهم الناس، وأضاف بعض أفراد العينة: تنظيم حملات الحج والعمرة، والمساهمة في الأعمال الاقتصادية، والشفاعة للناس، وقضاء حوائجهم.

وفي إجابتهم على سؤال: «ما القنوات التي يمكن أن تصلنا بعمق المجتمع وجميع فئاته؟»، بيّنت أفراد العينة أن ذلك يمكن بأي وسيلة من وسائل الخير المرتبطة بالمجتمع، والاتصال بأفراد هذا المجتمع، ومن أهمها: اللقاءات، والجمعيات الخيرية، والمساجد، والنوادي الرياضية، والنوادي الثقافية، ومساعدة المحتاجين، والمدارس الدعوية، والجولات الريفية، ومراكز الخدمات الاجتماعية، والمستشفيات المدعومة، وأضافوا إلى ذلك: المطالبة بالإصلاح ومحاربة الظلم، والإعلام والإذاعة والتلفزيون، وخطبة الجمعة.

وفي سؤال: «كيف يتمكن الدعاة من إيصال الخدمات والتسهيلات والاحتياجات إلى الطبقات المتنوعة في المجتمع؟»، جاء ملخص الإجابات على النحو التالي: تخطيط الجهود الاجتماعية وترجمتها إلى معطيات ثقافية وعملية، واستغلال العمل الاجتماعي إعلاميًا لصالح الدعوة، وإشراك عدد كبير من الناس فيه، وإيصال الخدمات والتسهيلات والاحتياجات إلى مستحقيها، ويمكن للدعاة تنفيذ ذلك عن طريق: المؤسسات الخيرية، والعلاقات الشخصية، والعمل الرسمي ضمن المؤسسات الحكومية، ومع أهمية مراعاة أمر كل طبقة وما يناسبها من الوسائل، وكذلك الإشارة إلى أهمية استغلال الأزمات، والاستفادة منها، وحسن استغلالها.

وكان ثمة مقترحات لإنشاء جمعيات متخصصة، بعضها طرحته الدراسة على العينة، والآخر اقترحه بعض أفراد العينة، ومما اقترحته العينة إنشاء جمعيات: (السلام) للأخلاق الاجتماعية، و(التوفيق) للإصلاح بين الأزواج، و(الرعاية) لمتابعة المطلقات وحل مشكلاتهنَّ، وأشار معظم أفراد العينة إلى أن جمعية (السلام) للأخلاق الاجتماعية، وجمعية (التوفيق) للإصلاح بين الأزواج، وجمعية (الرعاية) لمتابعة المطلقات، وحل مشكلاتهن، أنشطة جيدة، إذا أحسن القيام عليها، ووجهت الوجهة الصحيحة، لأن المجتمع بأشد الحاجة إليها نظرًا لكثرة ثغراته، ولكن رأوا أنه من المهم البرمجة الحديثة والتنفيذ الدقيق، وأضاف بعضهم إلى (جمعية التوفيق) عملًا آخر، وهو التوفيق بين المتخاصمين، وأضاف (لجمعية الرعاية) الاهتمام برعاية العجزة والمرضى والفقراء، واقترح بعض أفراد العينة أنماطًا أخرى من المناشط والجمعيات، مثل: «الاستفادة من المتقاعدين ذوي الإمكانيات»، وإنشاء «مؤسسة لتأهيل المرأة لخدمة أسرتها»، ومؤسسة «لرعاية الطلبة النابهين»، ومنهم من اقترح تأسيس (جمعية المحبة)، و(جمعية الصحة)، كما اقترح بعضهم أن يكون من جملة مناشط (جمعية التوفيق) منشط التوفيق بين الشباب والشابات الراغبين في الزواج، وإنشاء (جمعية الإصلاح) للإصلاح بين الخصوم، وكذلك اقترح بعض أفراد العينة إنشاء (جمعية لمتابعة وإصلاح أصحاب الأخلاقيات المنحرفة)، و(جمعية لتنمية مهارات العاطلين عن العمل الحكومي والمهني).

وفي إجابة السؤال الذي تضمن الاستفسار عن البعد العالمي لهذه المناشط، اتفقت الأجوبة على الاستفادة من الخبرات العالمية، وتوسيع نشاطات الجمعيات، والمؤسسات التي تهتم بذلك، وضرورة عقد المؤتمرات واللقاءات لبحث المشكلات الاجتماعية على مستوى العالم الإسلامي.

وأما عن السؤال: «فيما إذا كانت هناك مصلحة بأن يرتبط العمل الاجتماعي بأسماء معينة»، فاختلفت الآراء حول ذلك، بين من يرى أنه من الأفضل عدم ارتباط العمل بأسماء معينة؛ لأن الأشخاص يذهبون ويجيئون، كما الأسماء لها حساسية مفرطة في المجتمع، وبين من يرى المصلحة في الارتباط بأسماء معينة، والذين برروا ذلك بأنه يعزَّز ثقة الناس بالدعاة وأهل الخير.

وهنا نرى خريطة واضحة المعالم والحدود لأهم المناشط الإسلاموية التي قامت على المؤسساتية، بعد هذه الدراسة، لا أعني في السعودية وحدها، بل في كل بلد للتنظيمات الحركية فيها موضع قدم، وللحديث بقية.