تتسارع الأمور في النيجر على نحو صاخب ومفتوح على كل الاحتمالات بعد إجازة التدخل العسكري للتعامل مع الانقلاب، وهو الخيار الذي سلط الضوء على اتفاقات الدفاع التي أبرمتها كثير من الدول الأفريقية مع فرنسا تحديدًا، والتي كانت تسيطر على معظم الدول الأفريقية، وعلى الأخص مع إعلان الانقلابيين في النيجر أن بلادهم ستنسحب من 5 اتفاقيات عسكرية وأمنية موقعة مع فرنسا، فيما لم تتخذ فرنسا بعد أي قرار بالانسحاب من النيجر.

ومع استقلال الدول الأفريقية التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي خلال القرن الماضي، وقعت باريس وعواصم تلك الدول اتفاقيات دفاعية واتفاقيات تعاون عسكري، بقيت سرية إلى حدّ كبير، واختلفت معايير كل اتفاقية عن الأخرى، لكنها اعتُبرت غالبًا «ذراع فرنسا الأفريقية».

60 عامًا من الاتفاق


بلغ عمر تلك الاتفاقيات تقريبًا 60 عامًا، وهي تنظم حتى الآن العلاقة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة على أسس أمنية ومالية وسياسية بامتياز.

في الماضي، سمحت تلك الاتفاقيات لباريس بالتدخل عسكريًا لإنقاذ حلفائها السياسيين، ولكنّها في بعض الأحيان اختارت ألا تتدخل، فخلال 2006 - 2007 تدخلت فرنسا عسكريًا، باسم هذه الاتفاقيات، في جمهورية أفريقيا الوسطى، لإنقاذ الرئيس فرانسوا بوزيزيه ضدّ ثوار «اتحاد القوى الديمقراطية من أجل الوحدة». لكنّ باريس عادت وامتنعت عن القيام بالخطوة ذاتها، وفي البلد ذاتهـ بعد 5 سنوات، في عهد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.

وفي عام 2019، وخلال ولاية الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون الأولى، تدخلت فرنسا عسكريًا لنجدة الرئيس التشادي السابق، إدريس ديبي إتنو، وأغارت الطائرات الفرنسية على قوافل للمتمردين بقيادة تيمان إرديمي. في المقابل رفض الرئيس السابق جاك شيراك التدخل عسكريًا لمساعدة رئيس ساحل العاج من الانقلابيين عام 1999 رغم اتفاقية الدفاع بين الطرفين. بما يعني أن فرنسا استخدمت تلك الاتفاقات لتلعب فيها بورقة السياسة أكثر من أوراق احترام المواثيق والاتفاقات.

تفاوت في التعاطي

تعاطت فرنسا مع اتفاقات الدفاع مع مستعمراتها الأفريقية على نحو متغير، ففي مالي على سبيل المقال، أعطت تلك الاتفاقيات الجيش الفرنسي «حرية الحركة الكاملة على الأراضي وفي المجال الجوي المالي للمركبات والطائرات العسكرية والمدنية لأفراد القوات الفرنسية أو غير الفرنسية التابعة لنفس القوة العسكرية العاملة هناك». ولكن الضباط الانقلابيين قالوا عام 2022 إن «أجزاء من الأجواء المالية ممنوعة على الطيران الحربي الوطني»، الأمر الذي نفته فرنسا. ويبدو أن الدول الأفريقية تعمل بدورها على تخطي تلك الاتفاقات التي تبدو في ظاهرها بمثابة قيود وكأن الاستعمار الفرنسي خرج من الباب ليعود عبر تلك الاتفاقات من النافذة. وأمام الضغوط التي تتعرض لها فرنسا، أعلن ماكرون مطلع العام الحالي «خفضًا ملحوظًا» لعدد القوات العسكرية الفرنسية المنتشرة في دول أفريقية، كما اقترح «شراكة جديدة» مع تلك الدول، وسط تزايد المشاعر المناهضة لباريس والسياسة الفرنسية بشكل عام، وتوسّع الدورين الروسي والصيني في المنطقة.

ووعد ماكرون بأن يتحدد الانتشار العسكري الفرنسي داخل القواعد والمدارس التي ستتم إدارتها بشكل مشترك مع القوات المُضيفة.

حقوق تمنحها الاتفاقات

تمنح الاتفاقات التي أبرمتها فرنسا مع مستعمراتها الأفريقية السابقة، باريس عددًا من الحقوق والصلاحيات، ومنها، الحق في التدخل العسكري.

صنفت تلك الاتفاقيات القديمة ضمن فئات مختلفة، بدءًا من مجرد تبادل الرسائل مرورًا باتفاقيات الدفاع السري ووصولًا إلى اتفاقيات أكثر تفصيلًا تتعلق بالمساعدة أو حتى التدخل العسكري.

وحتى مطلع العام 2000، حافظت بعض الدول على الإطار القانوني الذي نظّمها، والذي وُضع بين عامي 1959 و1961، بينما أجرت أخرى تعديلات طفيفة عليها.

وترتبط كلّ من الكاميرون، أفريقيا الوسطى، ساحل العاج، السنغال، الجابون، تشاد، وتوجو ومالي التي قررت فرنسا الانسحاب منها في 2022 غداة الانقلاب بعدما رأى القادة العسكريون الجدد أنها تهدّد سيادة البلاد، بمعاهدات عسكرية مع باريس. ويحدد الكتاب الأبيض الذي طلب فرانسوا هولاند تحضيره ونُشر عام 2013، وهو الوثيقة التي تحدد إستراتيجية فرنسا الدفاعية الشاملة في عدة قارات، ذكر أن الحق في التدخل العسكري في كل من ساحل العاج والغابون وتوجو سيتم إلغاؤه من دون أن يعرف حتى الآن ما إذا حصل ذلك فعلًا.

21 اتفاقا

بلغ عدد اتفاقيات التعاون العسكري بين فرنسا ودول إفريقية 21 اتفاقًا في 2021 إضافة إلى 11 اتفاقًا دفاعيًا، جميعها مبهمة وغامضة إلى حدود معينة. وكانت هناك مطالبات مستمرة بنشرها، دون جدوى.

وتشير النصوص بشكل أساسي ومختزل إلى أمرين أساسيين:

ـ الأول، تاريخي: تحت عنوان مساعدة حكومات الدول المستقلة حديثًا على تأسيس جيوش قادرة على مواجهة التهديدات والضغوط الناتجة عن الحرب الباردة. والمساعدة تتضمن تدريب العناصر ومدّ جيوش تلك الدول بالأسلحة.

ـ الثاني، غامض: وهو سرّي بحسب ما تشير إليه صحيفة NouvelObs والنقطة الأساسية فيه هي «الحفاظ على رباط الخضوع بين القوة الاستعمارية السابقة و«أصدقائها» الأفارقة، خصوصًا لناحية حفظ الأمن».

والنقطة الأخيرة تسمح لفرنسا بالتدخل عسكريًا لمساعدة أي من تلك البلدان، لكن باريس ليست ملزمة بذلك وعلى الدولة الأفريقية أن تطلب المساعدة والقرار الأخير بالتدخل يعود للرئيس الفرنسي وحده ومن هذه الزاوية تُفهم خيارات الرؤساء الفرنسية المختلفة أعلاه.

غير أن الجزء الثاني لا يحدّد طبيعة «الخطر الداهم» وتبقى مصطلحاته فضفاضة، وتشير الصحيفة إلى أنها اختيرت على هذا النحو «لتبرير أي تدخل عسكري مستقبلي».



21 اتفاقًا بين فرنسا ومستعمراتها الإفريقية السابقة

11 اتفاقًا دفاعيًا

دول أفريقية لديها اتفاقات عسكرية مع فرنسا

الكاميرون

أفريقيا الوسطى

ساحل العاج السنغال

الجابون

تشاد توجو

مالي

النيجر

حجج فرنسا لإبرام الاتفاقات

- مساعدة حكومات الدول المستقلة حديثًا على تأسيس جيوش قادرة

- الحفاظ على رباط بين القوة الاستعمارية السابقة و«أصدقائها» الأفارقة