خدمة الحشود
تحول وجود أعداد كبيرة من الجماهير في افتتاح بعض المحال أو في مناسبة ما مثار تساؤلات تستبعد عفوية التجمع، وتجزم أنه يتم الترتيب له بطريقة ما.
وتساءل كثيرون حول طبيعة الوضع بعد أن لوحظ إصدار تصاريح لشركات منظمة للمهرجانات توفر خدمة الحشود من أفراد مدربين يقومون بأدوارهم للمشاركة بتنظيم وتنسيق وجود وحركة جمع مكون من 300 إلى 500 شخص يتم حشدهم لحضور فعالية (ثقافية أو مباراة رياضية أو افتتاح مشروع أو الوقوف مثل صفوف في المقاهي والمطاعم.. إلخ). وتتراوح تسعيرة ترتيب مشاركة الشخص الواحد في مثل هذه التظاهرات بين 80 إلى 120 ريالا للشخص المدعو، شاملة خدمة التوصيل من المنزل للمناسبة وإليها.
ويتم حشد كل هذا الجمهور لخلق زحام وهمي يوحي بأن ثمة إقبالا شديدا على الحدث.
ويشرف المنظم لهذه المجموعات على آخرين موزعين على مستوى الأحياء بكل منطقة أو محافظة، ومع الإشارة، تنطلق الجموع لخلق التأثير المروّج والمدفوع لأجله.
إدراك ووعي
يقول رجل الأعمال دلامه آل حيدر المتخصص في أنشطة خدمة السيارات، إنه سبق أن عرضت عليه مثل هذه الخدمات التنظيمية عند افتتاح أحد مشروعاته ورفضها لقناعته بأن الحضور الوهمي لا يجدي نفعا ويعود بالفائدة على المشاهير وحدهم وكذلك على الشركة المنظمة.
بينما يرى المستشار الإعلامي صالح اليامي، أن ظاهرة التأثر بالمشاهير والتجمهر عليهم بدأت في السبعينات والستينات من القرن الماضي مع بداية انتشار الأفلام السينمائية، وكانت ظاهرة التجمهر تُشاهد في نيويورك وباريس وبيروت والقاهرة، أي بمعنى آخر في المدن التي صنعت المشاهير من خلال السينما، أما في العصر الحديث ومع انطلاق وسائل التواصل الاجتماعي فقد صنع مشاهير مفردين بصناعة ذاتية شخصية جذبت متابعين كلٌ حسب شخصيته وتوجهه، منهم الثقافي والترفيهي والفكاهي، مشيرا إلى أن هناك معايير تنظيمية بين المشهور والشخص المنسق في المنطقة المراد زيارتها والترويج للزيارة، وهنا تتفاوت ردود فعل المجتمع بين المدن والمناطق الطرفية البعيدة عن المناطق الكبرى، إذ إن حضورهم في المناطق الكبرى لا يؤثر كثيرا بسبب تنوع المتابعين والوعي العالي للمجتمع، لذلك يتم التركيز على المدن الصغيرة بالترويج لوقت الزيارة وهم يستهدفون التسويق لمنتج أو افتتاح مشروع أو حدث رياضي والهدف الأكبر هو زيادة المتابعين ليزداد الأجر المدفوع، وهذه الظاهرة تتوسع وهو واقع يجب أن نتعامل معه بإدراك ووعي.
صورة إيجابية
المحامي ثامر مفرح آل مخلص، وهو عضو مجلس شباب منطقة نجران، وأحد المؤثرين بما يقدمه من محتوى ثقافي، يرى أن المصداقية في مواقع التواصل الاجتماعي لها أثر كبير على المتلقي وتنعكس بصورة إيجابية على المنتج أو الخدمة المقدمة، مؤكدا رفضه للشركات التي تدفع للحضور معتبرا أن ذلك يضر بالإعلان من عدة جوانب، أهمها أن ذلك يمكن أن يندرج ضمن الغش التجاري، فالتزاحم حول المشهور أو المنتج قد يؤثر على رأي المتلقي وقت الحدث فقط أو بعد المشاهدة في قنوات التواصل، والتأثير هنا يبقى مؤقتا وسريع الزوال، والأفضل لصاحب المشروع أن يبدأ إعلانه بالترويج الصحيح للمنتج بمحتوى صادق يأتي بنتائج مرضية لجميع الأطراف.
أقل جهد
يرى استشاري الطب النفسي الدكتور محمد أيمن عبدالحميد، أن الفئة الأكثر تأثرا بالمشاهير عند رؤيتهم هم المراهقون والشباب، ويركز المشاهير بدقة وذكاء على صناعة محتوى يثير خيال الشباب وإعطائهم إحساسا بأن الفرص في متناول يدهم للوصول لأحلامهم بأقل جهد ويتابعون أخبارهم وتحركاتهم، وكلما كان الإنسان قليل الخبرة في الحياة وميالا للمظاهر ولديه الرغبة في المكسب السريع والشهرة والصيت كان من السهل التأثير عليه من قبل المشاهير.
وأشار إلى أنه من ضمن عوامل التأثر، وقت الفراغ الذي يدفع إلى متابعة هؤلاء المشاهير والتأثر بهم.
الصورة الإعلامية
يرى الدكتور عبدالحميد، أن القضية تنطوي على عدد من النقاط الرئيسة، ومنها مثلا طبيعة العصر الذي نعيشه، والصورة الي يرسمها المشاهير لأنفسهم ويقدمونها من خلال الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي، وأخيرا طبيعة بعض الأشخاص الذين يسهمون في تجميع وحشد الجمهور وخداع الآخرين الذين يسهل انسياقهم وراء الصورة الإعلامية المقدمة.
وأضاف أن «طبيعة العصر والتطور فرضت ضخ عدد من الأحداث والمتغيرات بكم هائل فضلا عن تدفق المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي والمعلوماتية التي لم تكن موجودة في العصور السابقة وأصبح من السهل على الناس مشاهدة التلفزيون وقنوات اليوتيوب أو الأخبار مع دخول عدد كبير من وسائل التواصل الاجتماعي مثل إكس وفيسبوك وسناب شات وانستغرام وغيرها، والتي يرسم المشهور نفسه من خلالها بصورة ليس بالضرورة أن تكون حقيقية، بل يبذل فيها جهدا لتجميل الشكل والصفات، وبالتالي لا تقدم هذه القنوات طريقة لتواصل الناس مع بعضهم بعضا فقط، ولكن أتاحت الفرصة لبعض الذين يمتلكون القدرة المالية والوقت والرغبة في رسم صورة خيالية تأتي من عالم مواز إلى عالم الواقع».
وتابع «يلاحظ أن مشاهير الفن والرياضة والإعلام وغيرها يتفننون في تقديم تلك الصورة، بل أصبح هناك موظفون إعلاميون ومتدربون في التقنية مسؤولون عن أن يوفروا للمشاهير الفرصة لتقديم الصورة التي يريدونها بإضفاء هالة من الخصوصية والجمال والقدرات الخاصة والمستقبل البراق والثراء والرفاهية غير المحدودة التي تؤثر على المتلقي بشكل كبير».
أصحاب المهن
أضاف عبدالحميد «في السابق كانت الشهرة تخص المواهب العلمية والأدبية وذوي التأثير من خلال القدرات الإعلامية، والسياسية، والابتكارات، والاختراعات، أما هذا العصر فلقد أصبح جزء كبير من الشهرة يحظى به أصحاب المهن التي لها علاقة بالفن والموسيقى والرياضة ومقدمي البرامج التلفزيونية والمتمتعين بالقدرة المالية والمعرفة بالموضة، وظهر هؤلاء الذين يتباهون بالممتلكات الخاصة من السيارات الفارهة والطائرات والمجوهرات وغيرها وهي جاذبة للشباب، فيما يسعى المشاهير إلى كسب مزيد من الشهرة التي تقاس بعدد المتابعين وبالطبع المزيد من الأموال».
سلوك محدد
أوضح المعالج النفسي حسين مسعود زبيد، أن الإنسان كائن اجتماعي يؤثر ويتأثر بالآخر، فهو يرى نفسه في الآخر أحيانا، بل قد يكتسب سلوكياته من الآخر من خلال التأثر به، ويمكننا مشاهدة مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في سلوكيات المجتمع بانتشار بعض السلوكيات في المجتمع من خلال استخدام حيلة نفسية واحدة وهي «التكرار» لمادة معينة أو سلوك محدد، والشباب في كل العصور هم الأكثر تأثرًا بل إن كثيرين منهم غير مهتمين بالتفكير العقلاني ويميلون إلى التفكير العاطفي، ويمكن ملاحظة ذلك في التجمعات حول المشاهير، أو الانتظار طويلا والتجمع أمام محلات بعينها.
خدمة توفير الحشود
- جمع مكون من 300 إلى 500 شخص
- التسعيرة تتراوح بين 80 ريالا إلى 120 ريالا للشخص
- يشرف المنظم على آخرين موزعين على الأحياء
- الدعوة شاملة التوصيل لخلق ازدحام وهمي
فعاليات مستهدفة
- مباراة رياضية
- افتتاح مشروع
- المقاهي
- المطاعم
- محال الملابس
- المولات
خدع يستخدمها المشاهير
- رسم صورة غير حقيقية
- تجميل الشكل والصفات
- خلق عالم مواز لعالم الواقع
- إضفاء هالة من الخصوصية
- الإيهام بالقدرات الخاصة والمستقبل البراق