إن رسم ملامح التوجهات الاستراتيجية التطويرية في البحث العلمي والابتكار في جامعة «كاوست» جاء نتيجة سنوات من العمل والطموح الملهم والشغف بالإنجاز والصدارة وما سبقه من دراسات علمية وشراكات بحثية رسمت ملامح هذه الاستراتيجية الجديدة، فقبل ستة أعوام وتحديدًا في شهر مارس عام 2018م، زار سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس أمناء - حفظه الله - معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) بالولايات المتحدة الأمريكية، والتقى سموه برئيس المعهد رافائيل ريف آنذاك الذي صحب سموه والوفد الموافق في جولة في المعهد شاهد سمو ولي العهد خلالها مختبر البايو ميكاترونكس الذي يعمل على استخدام التقنيات الحديثة في الأطراف الصناعية، كما شاهد سموه في معرض الابتكار المقام في المعهد نماذج من الابتكارات الصناعية الحديثة ومجموعة مختارة من منتجاتها التقنية لعدد من الجامعات والشركات السعودية منها جامعة كاوست، في إطار تعاونها البحثي والعلمي مع معهد ماساتشوستس، من خلال استعراض المستشعر المغناطيسي ذو الاستعمالات الحيوية في ميدان اكتشاف البترول والغاز، ومشروع يخص المدن الذكية لاستعمالات الطاقة البديلة في تطبيقات مختلفة ومنها شبكات لإنترنت الأشياء، بالإضافة إلى عرض جيل جديد من المستشعرات لمتابعة حالة البحر الأحمر وكائناته، للمحافظة على بيئته وحمايتها للأجيال القادمة.
واليوم يكتمل العقد الذي يفخر به كل مواطن ومقيم في السعودية العظمى بإطلاق سموه الكريم - حفظه الله - للاستراتيجية الجديدة التي تهدف إلى تحويل العلوم والأبحاث إلى ابتكارات ذات مردود اقتصادي من خلال التركيز على الأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار وهي صحة الإنسان، واستدامة البيئة، والطاقة المتجددة، واقتصاديات المستقبل، إضافة إلى تعزيز الشراكات الدولية والمحلية المثمرة، والشراكة مع القطاع الخاص مما يسهم في تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030.
إن المتأمل لمرتكزات الاستراتيجية الجديدة يجد أنها بوابة الإبداع البحثي وحاضنته الرئيسية لميدان الإبتكارات ذات المردود الإقتصادي الوطني؛ حيث شملت ثلاث مبادرات رئيسة، من أبرز ملامحها: إطلاق معهد التحول الوطني للبحوث التطبيقية (NTI)، وإعادة تنظيم معاهد الأبحاث في الجامعة بما يتماشى مع الأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار، كذلك من أهم مبادرات الاستراتيجية تعزيز الشراكات الدولية، وتنمية مجالات التعاون مع المؤسسات الأكاديمية الرائدة وروّاد التقنية في العالم، بالإضافة إلى المساهمة المستقبلية المتوقعة لـ «كاوست» في تحفيز نمو الشركات الناشئة القائمة على التقنية المتقدمة، بما يعزز تنافسية اقتصاد المملكة وريادتها عالميًا في الابتكار، وتستند الاستراتيجية على الخبرات العلمية والعملية الثرية والمتميزة لـ «كاوست» ومكانتها الأكاديمية العالمية المرموقة.
إن الاﺑﺘﻜﺎر له ارتباط ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ، مع بعض الفروقات ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ لعل من أهمها أن اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﻤﺎﻟﻲ إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻻﺑﺘﻜﺎر ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺘﺤﻮﻳﻞ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ إﻟﻰ ﻗﻴﻤﺔ وقد أبدعت الاستراتيجية الجديدة بمبادراتها الرئيسية في تعزيز هذا التكامل والربط من خلال تأسيس صندوق الابتكار التقني العميق (DTIF) بميزانية تقدر بـ 750 مليون ريال سعودي، ويهدف الصندوق إلى الاستثمار المبكر في الشركات المحلية والعالمية المتخصصة في التقنية الفائقة، بما يعزز التنوع الاقتصادي ويسهم في توليد الوظائف التقنية النوعية.
ختامًا إن الاستراتيجية الجديدة لـ «كاوست» منهجية داعمة ومشجعة لمؤسسات التعليم والمراكز البحثية لمواءمة إبداعاتها البحثية والمعرفية الزاخرة سواء في الجامعات الحكومية والأهلية والمراكز والمعاهد البحثية الوطنية من خلال التكامل البحثي و التعاون مع جامعة «كاوست» وتشجيع الباحثين في تلك الجامعات والمراكز والمعاهد إلى ربط إبداعاتهم بابتكارات واعدة تحقق نموًا اقتصاديًا وطنيًا يستفيد منه أبناء وبنات السعودية والأجيال القادمة بما يحقق التنمية المستدامة والنماء والازدهار لهذا الوطن العظيم.
إن شواهد الإنجاز وإبداعات العلماء من الباحثين والموهوبين والمبتكرين وغيرهم من السعوديين والسعوديات مسيرة زاخرة بالعطاء والتميز على مستوى دول العالم ولا يمكن حصر منجزاتهم في الماضي أو الحاضر وبإذن الله ينتظرهم مستقبل واعد يعزز من إبداعاتهم بهذه الممكنات والفرص الداعمة من خلال هذه الاستراتيجية الملهمة والمشجعة لقطاعات البحث والابتكار والتعليم العالي في وطننا العظيم أدام الله عزه.
سائلين الله عز وجل، أن يحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد الأمين، وأن يديم على وطننا الغالي العزة والرفعة والنماء والازدهار.