ما دام على رأس بلادنا هذا العاهل المخلص، أود أن أقول لا للأديبة السعودية فقط.. لا ولا للمثقفة السعودية فقط.. بل للمتعلمة السعودية في أي مستوى إن الحياة اليوم في أشد الحاجة لأن تكملن المسيرة بجوار الرجل جنبا إلى جنب. فَقَدْ حُمت - بضم الحاء ـ الحاجات والليل مقمر! !. ورأيي هذا ليس هو ابن اليوم، فأنا أنادي بتعليم المرأة من قبل ثلاثين سنة، ولو قرأت كتاب «وحي الصحراء»، الذي صدر في الخمسينات، ويجمع عشرات المقالات لعشرات الأدباء السعوديين، لوجدت كلمتي دون غيري تطالب بتعليم المرأة، وتفصل مدى حاجة البلاد الملحة إلى ذلك.

وحتى عندما حررت «صوت الحجاز»، أبيت إلا أن أفتح مجالا ولو خياليا لنقاش بين فتاتين حول ضرورة تعليم المرأة، لأدلل على مدى غفلتنا إذا تركنا المرأة للضياع في غياهب لا نهاية لظلمتها.

أيا سيدتي سقيا لك.. وإذا كان لي أن أتمنى، فليس إلا أن تقدمي وإخوتك فروض الشكر لأصحاب الغيرة الذي غضبوا لمأساتك أيام الجهل، ففتحوا أمامك الطريق الذي أسلمك، والحمد لله، إلى مغاني العلم، وليس لك أن تسأليني عن مستقبل الأديبة السعودية، وأمامك الملابسات الناطقة بتفوق فتياتنا على أكثر فتياننا في مختلف أدوار التعليم، وفي هذا آكد دليل على الهمم الجادة بين صفوفكن، وفيه ما يضمن لكن أروع مستقبل.


ألسن مطالبات بأداء واجباتهن كاملة غير منقوصة؟!

أمن العدل أن يُطلب منهن الحق كاملا غير منقوص ثم لا يوفين الجزاء كاملا؟!.

إن شطر حياة المجتمع تقوم عليهن، فكيف تقوم حياة لا تكافؤ بين أفرادها؟!.

إنهن ـ وقد عثر بهن الحظ حيث تأخر عهد تعليمهن ـ قد أبرزن الجهد في محاولة اللحاق بشقيقهن الفتى، مما كان أروع مثال على جدارتهن واستحقاقهن كل احترام وتقدير، فلم لا توسع أمامهن مجالات العمل؟!، فقد يبرزن من التفوق ما يؤهلهن لنيل أسمى الجوائز المعنوية؟

ومتى كان التفوق وقفا على الرجال؟!

إن فتياتنا ـ وقد أدركن أنه لا يد لهن في تخلفهن عن مجاراة إخوانهن ـ يدركن أنهن مطالبات باستدراك ما فات، ولهذا فقد أظهرن - خلال القصيرة التي أمضينها في التعليم والعمل - من البوادر الطيبة ما يملأ النفس غبطة وسرورا في هذا العهد الزاهر، عهد المليك المصلح الذي أفعم القلوب أملا واستبشارا، وهو يتحدث إلى بناته من طلاب جامعة الملك عبد العزيز، فيأمر بفتح مكتبة لهن، ويفيض في الحديث عنهن، وعما تعلق عليهن البلاد من آمال في مجال اختصاصهن.

وها هو شبل ذلك الأسد، الرئيس الأعلى لجائزة الدولة يقول في معرض الحديث: «أما الجائزة التي تأملينها فثقي أنه ما دام على رأس بلادنا هذا العاهل المخلص الذي نشهد اليوم دأبه على مصالح البلاد، وسهره على دعمها، لتواكب الصفوف التي سبقتنا في مضمار السباق، إذن فما عليك إلا أن تنتظري نتائج كل الآمال المعقودة عليه. أما الترشيح فله مظانه، وله نظام المنتخبين له كما تعلمين، والله ولي المخلصين، وهو حسبنا».

1984*

* أديب وصحفي ومؤرخ سعودي «1905 - 1984»