في المقال السابق كان حديثنا عن صعود الدولار وهيمنته على التعاملات العالمية، وسأكمل عنه وعن هل سيزيحه اليوان؟ كما أن حوالي 65 دولة في العالم تربط عملتها بالدولار. هذه الأسباب وغيرها تجعل منها عملة أساسية محركة للاقتصاد العالمي. ولقوة ثقة العالم بالدولار فإن سندات الخزانة الأمريكية تعد آمن استثمار في العالم، وتقوم العديد من الدول بشرائها ( 7.3 تريليونات دولار تتملكها دول العالم من سندات الدولار)، تتصدر اليابان بأكثر من تريليون دولار ثم الصين بـ860 مليار دولار، فبريطانيا بـ650 مليارا، وعربياً تتصدر المملكة العربية السعودية بحوالي 120 مليار دولار، ثم الإمارات بـ58 مليار دولار.

يكثر الحديث حالياً عن اليوان الصيني على أنه عملة قادرة على إزاحة الدولار، وهذا أمر صعب الحدوث على الأقل في المدى المنظور، حيث إن أقل من %4 من المعاملات العالمية تتم باليوان، وهذا الرقم صغير مقارنة بالدولار، والأمر الآخر أثبت الدولار أنه العملة التي يمكن الوثوق بها، حيث إنه ثبت خلال الأزمات العالمية مثل أزمة 1979 وأزمة 2001 وأزمة 2008 وأزمة 2020 وغيرها من الأزمات. وإضافة إلى ذلك، العملة الاحتياطية العالمية تحتاج إلى بنك مركزي قوي شفاف ذا مصداقية عالية، وهذا متوفر في الدولار لأنه ذو مصداقية وقوة أكثر من العملات الرئيسية العالمية الأخرى.

صحيح أن الولايات المتحدة قد أغرقت العالم بالدولارات (حوالي 5 تريليونات دولار) خلال عملية التيسير الكمي «شراء السندات وضخ الأموال في الأسواق»، تسبب ذلك بتخفيف الضغط على الاقتصاد والأسواق لفترة من الزمن 2010-2020، تبع ذلك صعود للتضخم تبعه ارتفاع لأسعار الفائدة، حتى وصل التضخم في أمريكا لحوالي %10، وهو ما لم يحدث منذ أربعة عقود، ويتجاوز المستهدفات «بين 2و %3». فغيرت الحكومة الأمريكية السياسة إلى التشديد الكمي، وهو سحب سندات الدين لتخفيف السيولة من الأسواق، وهذا أدى إلى إرهاق الأسواق العالمية. فالولايات المتحدة تشتري سلعاً حقيقية بأموال تطبعها هي ولا غطاء لها.


كذلك البترول لا يزال تسعيره يتم بالدولار، وهو أمر يتم تداوله تقريباً بواسطة جميع دول العالم وبشكل يومي، ما يعمق ويقوي الحاجة للدولار. والصين أمامها طريق طويل حتى تبني اقتصاداً قوياً ذا مصداقية وموثوقية مثل الدولار، لأن الاقتصاد العالمي ليس قابلاً للتجريب والاختبار بعملات أخرى حتى تثبت قوتها وصلابتها.

وتربط المملكة العربية السعودية الريال بالدولار منذ 1986، وهذا خيار إستراتيجي مفيد للسعودية، فأكثر صادرات الدولة هي البترول وهو سلعة مقومة بالدولار، كذلك احتياطيات البلد بالدولار، كما أن ربط العملة بالدولار يسهل عملية التخطيط المالي والاقتصادي للدولة بسبب استقرار الدولار ووقوفه في وجه أزمات عدة. وكما أن للربط مزايا فله عيوب أيضا، وإن كانت المزايا أعظم من العيوب حاليا وبشكل كبير.