فتاة في الثامنة عشرة من حياتها تشغل وظيفة رئيسة معمل للزجاج بجدة الجديدة، تكتب لشقيقها ببلدة «الوئام» وهي تبعد عن مكة 160 كيلو مترًا - الكتاب الآتي:

عزيزي مسعد!

أكتب لك هذا وقد مرّت بي ذكرى أجدادنا الذين كانوا يعيشون في سنة 1340 - 1350 أعني في منتصف القرن الرابع عشر الهجري، ذلك العصر المترامي في أكناف القدم السحيق، أذكرهم حيث كانوا يبدؤون تحاريرهم بالتحيات والأشواق ويفعمونها بالأسئلة والاستفسار عن خاطر المكتوب إليه، ولهم العذر بهذا لأنهم كان يعيش الصديقان منهم مثلا أحدهما بجدة (أعني القديمة) والآخر بمكة فلا يتراءيان حتى ولا في الأسبوع مرة واحدة لأن وسائل النقل كانت في عصرهم هي الحمير، والجمال (حيوانات منقرضة كانت تعيش إلى حوالي القرن الثامن عشر الهجري) ثم عرفوا الأتومبيلات التي يستعملها الآن عمال المناجم الحجازية في ذهابهم وإيابهم. أما أتومبيلات هايز المكتشفة حديثًا في القطب الشمالي، فلم يكونوا يحلمون بأنها ستكون، وأخالهم لو بعثوا اليوم ورأوها تتألف من ست طبقات وتحمل من الركاب ما لا يقل عن 120 وتنساق بالكهرباء بدلًا من البنزين لهالهم الأمر! وعلى ذكر أجدادنا الأقدمين أقول لك ألا تذكر يا أخي!


بالأمس كنا نحتفل بحضرة السيدة عادلة مؤسسة المرصد الفلكي الحجازي «بجزيرة المعارف» التي كانت تدعى قديمًا جزيرة أبي سعد. واليوم، تكريما لحضرة المحتفل به.. الذي صرف كمية لا يستهان بها من جهوده العقلية في إيجاد هذه الآلة النافعة.

وبعد انتهاء الحفلة جاءت طيارة البريد تحمل إلي بطاقة من جمعية الاتحاد السياسي بالعاصمة تدعوني إلى حضور حفلة عيد توحيد الحكم ببلاد العرب ففضلت ركوب القطار الكهربائي الجوي على ركوب الطيارات التي مللناها يوميا. وبعد أن انتهينا من ذلك عدت إلى هنا حيث أكتب لك هذا التحرير ليدرك البريد الكهربائي.

لا تنتظر مني - يا عزيزي! - تفصيلات هامة عن هاتين الحفلتين فسيبدأ عمال استخراج الأوراق من الشجر بهذه العملية ليدفعوا بالأوراق إلى إدارة التحرير الرسمي العام وتدفعها هذه بعد الانتهاء إلى «المطبعة الحجازية الكبرى» لإصدار جريدة: العصر الراقي وستأتيك هذه حافلة بالموضوع وما عليك إلا أن تتصفح صفحة 46 في البحث المخصوص لهذه الأغراض.

من أخبار جدة:

حالة الجو هادئة جدا وقد استعملت آلة المهندس - الميكانيكي الحجازي» حسن عبدالقدير» لتبريد الهواء، وها نحن نتمتع الآن بنسيم جميل على الرغم من كوننا في شهر أغسطس قلب الحر.

وردت اليوم إلى ميناء «التقدم» بلدة شمالي جدة الباخرة «نفوذ» أكبر بواخر الجمهورية العربية وعليها 5000 أوروبي ما بين فرنسي وإيطالي، وإنكليزي وإسباني وسويسري و12000 أمريكاني و3000 هندي وكلهم من السياح يقصدون النزهة كالمعتاد - في مدينة «الحياة الجميلة التي هي اليوم المصطاف الوحيد لأعيان المثرين من كل الأمم. وقد محت معنوية الطائف التي لا تبعد عنها سوى 20 كيلو مترًا.

وعلى الباخرة أيضًا 6000 تلميذ من الخارج يقصدون الانتظام بسلك جامعة الحقائق «العربية» لتعلم اللغات الشرقية وعلوم الهيئة والفلك و1230 طالبًا من جزائر الفيليبين لسماع المحاضرات الدينية التي سيقوم بإلقائها في المسجد الحرام حضرة العلامة محمود باشا عبدالمجيد رئيس البعثة التي سترسلها جمعية نشر الدعوة الإسلامية إلى اليابان.

وستقوم الباخرة في أكتوبر (القادم) بعد أن تحمل ما ينوف على 16285000 طرد من الحاصلات الحجازية لتوزيعها على عموم موانئ البحر الأحمر الغربية. هذا وأتمنى لك حياة سعيدة ودم لشقيقتك المخلصة.

ساعدة.

1926*

* من كتابه الشهير "خواطر مصرحة".

*كاتب وشاعر سعودي «1902-1980».