ويأتي مفهوم عمل المكتب الشخصي للداعية، الذي اعتبرته الدراسة ضمن إطار العمل الدعوي المؤسسي، لتنظيم عمل الداعية، والمحافظة على وقته، من القيام بأعمال روتينية، يمكن أن يؤديها عنه أي شخص، مما يتيح له الاستفادة القصوى من الوقت، والتفرغ للأمور ذات الأهمية، إضافة إلى تكوين أو إنشاء جهة معينة ومعروفة تمثل وتنوب عن الداعية في التعامل مع مختلف الشؤون.
وقد أيدت الدراسة أهمية المكتب للداعية، ويرون أن فكرة عمل المكتب مهمة وضرورية للداعية لترتيب أولوياته، وليشرف على أعمال كثيرة في وقت واحد، ولكن ليس لعموم الدعاة، وإنما بحسب ما تفرضه الحاجة، وللقادر على تحمل العبء المالي للمكتب، وهناك من رأى أن يكون لكل الدعاة المعروفين.
أما عن طبيعة المكتب ونشاطاته الممكنة، ومشاركته، فجاءت الأعمال الخيرية والاجتماعية، في رأس الأولوية، التي وافق معظم العينة عليها، غير أن بعضهم قيد ذلك ببعض القيود، كمراعاة تقديم الأولويات، وإمكانية مشاركة المكتب في الأعمال الخيرية والاجتماعية، إن كان الداعية شخصية عامة ومن المشهورين، على أن تكون مشاركة المكتب بحسب اتجاه صاحبه، فقد يكون فكرياً نظرياً، وقد يكون دعوياً اجتماعاً، وثمة رأي لبعض من عارض المشاركة، بأنه إن كان لا بد من ذلك، فليكن بعدد محدد جداً، لئلا تتأثر الأعمال بأوضاع المكتب.
وجاء الرأي لتوسيع نشاطات المكتب وأعماله، بمعنى إنشاء فروع ومندوبين، بتأييد الأكثرية، بنسبة وصلت إلى (75%)، أما غير المؤيدين، فيرون التخصص بنشاط معروف، والاستعاضة عن ذلك بالاتصال والتعاون والتواصل مع مكاتب الدعاة الأخرى، والتعاون على البر والتقوى، والمشاركة في الإنترنت، ويرجع أسباب رفض التوسيع، خوفاً من أن يتحول المكتب إلى مؤسسة عامة، وحتى لا يتم التركيز على أعمال ومجالات مكررة يجيدها كثيرون.
ويأتي توسيع نشاطات مكتب الداعية، على أساس الشمولية والعالمية، من طريق فروع ومندوبين، ليشمل مناشط علمية ودعوية في سائر البلاد والجهات، وحددت مجموعة من الآراء ذلك، بحسب الظروف، بشرط ألا تخضع لمنطق واحد، بمعنى ألا يكون هذا الإنشاء، وفقاً لآلية محددة، بل تتشكل بحسب مصلحة الداعية، وما يدعو إليه، وثمة من حدد عملية التوسع بحسب ما وضع في نظام التأسيس، وما تحتويه البرامج من طموحات، وما يتلاءم مع الواقع، وبعضهم أكد التوسع في النشاطات الثقافية والدعوية، وكل ما يحل مشكلات المسلمين وهمومهم، وكذلك الإسهامات الإعلامية والدعوية العالمية مع المراكز والمجلات والجامعات، كما اقترح بعضهم وجود نشرة تعريفية دورية بنشاطات المكتب ومنجزاته.
وركزت الدراسة على أن هناك أموراً يجب أخذها بعين الاعتبار، ومن أهمها: وجود غطاء قانوني للمكتب إذا كان كبيراً، حيث أكد أحد أفراد العينة أنه يمكن أخذ تراخيص حالياً -أي ذلك الوقت-، وكذلك من الأمور المهمة مراعاة الظروف الأمنية، وعمل كافة الاحتياطات الأمنية، والاهتمام بها، وتقنينه عن كل محظور، والعمل بحكمة والبعد عن مواقع الشبهات، وضرورة اختيار الطاقم المناسب، والبعد عن أسباب الإثارة ولفت النظر والتركيز على المجدي من الأعمال، الذي له صفة الاستمرار، والتخطيط لكل عمل ودراسته، بعيداً من الفوضى والارتجالية.
وأما عن حجم العاملين في المكتب، فذكرت الدراسة أن الحاجة هي المحدد لذلك، بل يميل كثير منهم إلى تقليل العدد بقدر الإمكان، وهذا يقال أيضاً عن توزيع العمل وتقنينه وضرورة التعاون مع الجهات المشابهة في نفس النشاط.
كما أكدت الدراسة، أهمية تطوير العاملين في المكتب من خلال إقامة دورات متخصصة لهم، والاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص لإدارة تلك المكاتب، والاستفادة من التقنيات الحديثة. وأكد بعضهم أن هناك مجموعة من الكتب يمكن أن تسهم في تطوير الأداء، يجب على العاملين في هذه المكاتب الاطلاع عليها وفهمها، والتركيز على تعلم المهارات الإدارية والتنظيمية. وأشار أحدهم إلى أهمية التدرب على الأنماط الإدارية التي يمكن أن يتبعها القائد مثل الإلزام في القرارات مع الشورى، ووجود أخلاق إدارية يتحلى بها، مثل الصدق والإخلاص والتناصح، وكل صفة يمكن أن تؤثر في نجاح العمل الإداري، ولعل ترتيب الوقت عامل أساسي في ذلك، ومن الصور المناسبة في ترتيب الوقت في الإدارات تحديد جدول يومي للأعمال مع مراعاة المرونة، ووجود من يساعد الداعية على أعماله، وأيضاً إلزام الداعية نفسه بساعات عمل يومية وساعات لنفسه، وأخرى لأسرته، وتوزيع الأوقات بحسب طبيعة كل عمل مع التخلص من العلاقات المثبطة والمعطلة.
أما عن الكتب والمكتبة، فذكرت الدراسة، أنه لا بد من جمع وتصنيف الكتب والمطبوعات، وضرورة العناية بالمخطوطات، وكذلك حفظ المجلات السياسية والإخبارية، لتكون مراجعاً لبعض الدراسات، مع فتح باب إعارة الكتب للتغلب على معوقات نشرها وانتشارها (المنع).
أما ما ورد في محور الكتابة والتأليف لدى هؤلاء الوعاظ، فمن المعلوم أن غالب ما طبعوه من كتب إنما هي رسائل جامعية طال بها العهد، أو أجزاء معينة مستلة منها، أو كلمات وخطب ودروس مفرغة من التسجيلات إلى الأوراق، ومن المعلوم أن دور الوعاظ فيها هو الفكرة والهدف أو التوجه، الذي يأتي من التنظيم، والباقي على اجتهادات الطلاب والأتباع وجمعهم للمادة العلمية، وصياغتها.
وهذا المحور استطلع آراء العينة، حول تخصيص الداعية وقتاً للكتابة، وأجمعوا على ضرورة تخصيص وقت للكتابة، وذكرت الدراسة أن ثمة أهمية إستراتيجية لبعض الكتابات، مثل: العقيدة، والسياسة الشرعية. وكشف شبهات التيارات الفكرية، والموضوعات التربوية والفكرية، وفهم التاريخ، واكتشاف آفاق المستقبل، وفساد الطرح العلماني ومشروعاته. وكشف خطط أهل الباطل مستقبلياً، وكذلك بناء وتكوين الفكر الصحيح لدى أفراد الصحوة، والكتابات التوعوية وفقه الواقع المحلي والعالمي، والتربية، والإدارة، والقيادة.