لا يعني المتابع لأخبار القتل والدمار طائفة من قضوا نحبهم في انفجار أو مجزرة أو حادث سير، الميت ميت، والدم دم، لا يعرف بعد الموت طائفةً ولا مذهباً. وبدل أن تصبح وسائل الإعلام ناقلة للخبر كما هو، أصبحت تبحث عن الطوائف والمذاهب، ليصبح عداد الموتى سنياً أو شيعياً، والقاتل غالباً من الطائفة الأخرى. حين يقوم تنظيم القاعدة بعملية انتحارية في العراق، تكتشف أن الخبر يقول "في المنطقة التي يسكنها غالبية شيعية"، وحين يقوم جزار سورية بشار بقتل الأطفال والنساء ونحرهم بلا إنسانية، تغيب معاني الموت ويرتفع صوت الطائفية. يقولون إن أهل الخليج ابتلعوا طعم بشار الأسد في مسألة الطائفية، وبعد هذا أصبحت الماكينة الإعلامية العربية مذهبية بامتياز، وهو ما جعل الصحف الغربية كذلك تبدأ بكتابة التقارير والمقالات، وفيها سيناريوهات المستقبل السوري المحتمل.
لا تستغربوا لو قرأتم في نفس الصحف التي كانت تبارك الثورات العربية التونسية، المصرية، اليمنية، والليبية أنها هي نفسها الآن تضع احتمالات وصول الإسلاميين للحكم في سورية، وتتحدث عن وجود تنظيمات إرهابية، وتضع مصلحة إسرائيل وحمايتها قبل كل شيء.
بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، أصبح ترديد مفردتي "شيعي/سني" بعد كل حادثة قتل أو تفجير انتحاري أكثر من أي وقت مضى، قد يقول البعض إن وتيرة الأحداث المتسارعة هي من جعلت الترديد أكثر، وهذا ليس صحيحاً، بل هي الأدلجة الخبرية، ومهمة الصحفي التلفزيوني من نقل الأخبار وتغطية الأحداث، إلى المجازفة بعدد الضحايا من كل مذهب، ومحاولة إضافة الطائفة في كل مرة يكتب فيها الخبر، أو ينطقه على الهواء إن كان مراسلاً أو مذيعاً.
نشرات الأخبار الطائفية مضحكة، تدل على عقلية التصنيف المتجذرة في دواخلنا، لا نستطيع التخلص منها، لأن بعض الطعام لن يؤكل بدون "إضافات وتوابل"!.