يمكن إلقاء ماكينة حلاقة كهربائية أو تلفزيون تعطل عن العمل أو حتى خزانة بالية في مكب نفايات، لكن ماذا عن السفن التي لا تعد قادرة على القيادم بدورها، والتي تصبح كلفة صيانتها وخدمتها تفوق بمراحل الجدوى منها؟.
يتحول بعض السفن ليكون بمثابة الآثار التي تصلح لزيارة الآخرين لها، ويتحول بعضها إلى فنادق، ومراكز ترفيه، لكن هذا لا ينطبق على جميع السفن، فبعضها لا بد أن ينتهي به الأمر في «مقبرة».. مقبرة السفن.
تكلفة باهظة
تكلّف السفن وصيانتها مبالغ كبيرة، وعلى الرغم من أنها تعيش أحيانا لسنوات طويلة جدا، إلا أن بعضها ينتهي بالتفكيك عندما يصبح غير صالح للاستخدام.
ومقابل تقديرات أولية تشير إلى أن أكثر من 3 ملايين سفينة تراوح غارقة في أعماق المياه، هناك أكثر من هذا العدد بكثير يقبع في مقابر السفن.
مقابر السفن
مقابر السفن هي أماكن حيث يتم دفن السفن، والتي يكون أكثرها مراكب شراعية قديمة صغيرة، ومراكب شراعية خفيفة، وفرقاطات وغيرها، وثمة «مقابر» كثيرة من هذا النوع تنتشر في أنحاء مختلفة من العالم.
مع تطور بناء السفن باتت عوامل غرقها محدودة للغاية، ولهذا فإن أعماق البحار لم تعد أماكن لدفن السفن التي لم تعد صالحة للاستخدام، وصارت الحاجة ماسة -خصوصا مع المعارك البحرية والمناوشات مع القراصنة، وخراب السفينة، والنقص الأساسي في الأموال اللازمة للتخلص منها، والتكاليف الباهظة لتفكيك جميع عناصرها- إلى وجود مقابر تنتهي فيها تلك السفن، حيث لعبت عوامل عدة منها التكلفة المتزايدة للتأمين والصيانة في جعل السفن القديمة غير مربحة، حيث صارت قيمتها تكمن فقط في صلب أجسامها.
كيف تعمل المقابر
يتم شراء السفينة المستعملة وتسلم إلى مكان التفكيك، وتعلق السفن الضخمة في الرمال الساحلية، ويتم تصريف جميع سوائلها وبيعها، مثل بقايا وقود الديزل وزيت المحرك ومواد مكافحة الحرائق.
ثم تتم إزالة الآليات والمعدات الداخلية منها، ويطرح كل هذا ويعرض للبيع من المحركات الضخمة إلى البطاريات والأسلاك النحاسية، وأسرّة الطاقم والضيوف، والنوافذ، وقوارب النجاة، والأجهزة الأخرى من إلكترونية وغيرها.
بعد ذلك يأتي دور العمال، فيفككون السفينة باستخدام قواطع الأسيتيلين، ثم تسحب الشظايا إلى الشاطئ سواء يدويا، أو عبر مراكب جر مزودة برافعات، ويتم صهر الفولاذ المستخرج منها وبيعه واستخدامه في تشييد المباني.
أشلاء
لا يتصور كثيرون أن السفن الكبيرة التي تدفع كل يوم إلى المياه سيتم تقطيعها آجلا إلى أشلاء، لكن هذا ما يحدث فعلا، والمشكلة أن كثيرا منها يحتوي على مواد سامة مثل الأسبستوس والرصاص، لذلك يتم تفكيك تلك السفن في بلدان فقيرة حيث الأيدي العاملة رخيصة للغاية، وهناك غياب تام للرقابة والتنظيم الرسمي.
وعلى الرغم من المحاولات الحكومية الدؤوبة لتنظيم هذا الأمر، حيث أدخلت الهند مثلا متطلبات جديدة لسلامة العمال والبيئة، إلا أن الأمر لا يبدو مثاليا في أماكن أخرى كثيرة تعمل في هذا المجال مثل بنغلاديش، حيث تم تفكيك نحو 194 سفينة العام الماضي.
ربح كبير
في بنغلاديش يمكن استثمار 5 ملايين دولار لتفكيك سفينة واحدة في غضون 3 إلى 4 أشهر، لكن الربح من ذلك الاستثمار يصل إلى مليون دولار في المتوسط، وإن كان الأمر يعتمد على أسعار المعادن في السوق، لكن مع ذلك فإن نحو 90 % وأكثر من مواد ومعدات السفن يمكن الاستفادة منها وإعادة تدويرها.
محفوفة بالمخاطر
تبدو عملية التفكيك محفوفة بالمخاطر، فإضافة إلى خطر بيئة العمل غير المناسبة وتواضع التجهيزات المستخدمة، وغياب الحماية عن العمال، فإن العمل ينتج مواد كيميائية تسمم السواحل.
هذا الأمر لا يمكن إيقافه، فكثيرون يعتمدون عليه في رزقهم.
وتعد مقبرة السفن في شيتاجونج في بنجلاديش واحدة من أشهر مقابر السفن، فعلى ساحلها تتراكم الهياكل العظمية للسفن الميتة، حيث يتم هناك التخلص من السفن البحرية، وتركت ليفككها آلاف من العاملين في هذا العمل الشاق بلا عقود ولا ضمانات ولا ترتيبات ومقابل 2 إلى 4 دولار في اليوم.
يعيش كثيرون من هذا العمل على خطورته، لأنه ليس لديهم ما يعيلون به أسرهم غيره.
وخلال تفكيك السفن وفي ظل أدوات وأوضاع عمل بدائية يموت كثيرون كل سنة، لكن لا حيلة لهم سوى العمل فيه.
يعمل العمال في تفكيك هياكل السفن وأجزائها بأيديهم العارية تقريبا.
شيتاجونج الأفغانية
تشتهر شيتاجونج بأنها أحد أكبر مراكز تكسير السفن في العالم، حيث يعمل فيها نحو 200 ألف شخص في نفس الوقت، وهي تقدم نصف إنتاج الصلب في بنغلاديش.
ويعود تاريخ تطوير مركز إعادة تدوير السفن في شيتاجونج إلى عام 1960، عندما ألقيت السفينة اليونانية MD-Alpine على الساحل الرملي لشيتاجونج بعد عاصفة.
بعد 5 سنوات من المحاولات الفاشلة لإعادة السفينة للبحر بدأ السكان المحليون في تفكيكها من أجل الخردة.
مع منتصف التسعينيات، تم تطوير مركز تكسير السفن على شيتاجونج وذلك في دولة تعد كلفة الخردة المعدنية فيها أعلى من أي دولة أخرى.
وتتخلص شيتاجونج من حوالي 50 % من سفن العالم التي خرجت من الخدمة لأغراض الخردة.
تصل 3 إلى 5 سفن إلى هناك كل أسبوع لتفكيكها، ويعمل نحو 80 ألف شخص بتفكيك السفن بأنفسهم، من بينهم نحو 10 آلاف عامل تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاما (يقبض كل منهم نحو 1.5 دولار في اليوم)، ويعمل 300 ألف آخرين في الصناعات ذات الصلة.
يتم تفكيك 180 - 250 سفينة في شيتاجونج سنويا.
وفي كل عام، يموت نحو حوالي 50 شخصًا عند تفكيك السفن، ويصاب حوالي 300 - 400 آخرون بالشلل.
ويقدر حجم تفكيك السفن في شيتاجونج بنحو 1 إلى 1.2 مليار دولار سنويا.
العمل في شيتاجونج
يعمل عمال تفكيك السفن في شيتاجونج باستخدام مشاعل اللحام والمطارق الثقيلة والأوتاد، ويستمر العمل من 7 صباحا إلى الساعة 11 ليلا مع فريق واحد من العمال مع استراحة لمدة نصف ساعة، وساعة لتناول الإفطار، أي نحو 14 ساعة كل يوم، وينالون نصف يوم فقط في الأسبوع كعطلة.
مقابر في دول فقيرة
ثمة مقابر للسفن تنتشر في الدول الفقيرة، فهناك مقابر في باكستان والهند وإندونيسيا وموريتانيا وغيرها.
وترسل السفن التي استنفذت مواردها إلى تلك المقابر حيث ترسو هناك ويتم تفكيكها والاستفادة من أجزائها حيث يباع الصالح منها، ويستفاد من الباقي كمعادن وغيرها.
ولا تقتصر المقابر على الدول الفقيرة، فثمة مقابر في دول أخرى مثل روسيا، لكنها هناك تؤدي غرضا مختلفا، ففي روسيا تعد تلك المقابر مراكز تاريخية على الماء، يتم إنشاء المتاحف خصوصا الحربية أو البحرية فيها، لكن هذا لا يشمل كل المقابر هناك، فثمة سفن صغيرة يتم تفكيكها وسط ظروف خاصة.
مقبرة هندية
تشتهر مقبرة آلانج الهندية الواقعة على شواطئ خليج كامباي بأنها واحدة من أشهر مقابر السفن، حيث تضم 400 منصة يتم فيها تفكيك سفن عملاقة، يعمل في تفكيك كل منها من 300 حتى 400 شخص يستغرقون نحو شهرين لتفكيك السفينة الواحدة.
مقابر في روسيا
في منطقة زاتون في مدينة نوفوسيبيرسك الروسية يقف عدد كبير من الصنادل والسفن الصغيرة التي تم إيقاف تشغيلها، هذه هي مقبرة السفن. يتم تفكيك قطع تلك السفن واستخدام بعض الأجزاء لاستخدامها في الإصلاحات. وفي منطقة بحر الشمال في مورمانسك، هناك حطام 12 سفينة في خليج مورمانسك الخلاب للغاية. خارج التفكيك
تكثر السفن التجارية في مقابر السفن، على خلاف الحال في السفن الحربية، فتلك لا تتواجد إلا نادرا جدا جدا بين السفن المهجورة في المقابر، فليس هناك بلد يقبل الكشف حتى عن التطورات السرية التي أجراها في الماضي على صناعته الحربية، لذلك تتمتع هذه السفن بخصوصية سرية جدا. كما يمكن استخدام السفن الحربية بعد تضاؤل دورها الرئيس في الخدمة مثلا بدوريات على الحدود، وما إلى ذلك.
3 ملايين سفينة وأكثر تراوح غارقة في أعماق المياه
194سفينة فككت في بنغلاديش العام الماضي
5 ملايين دولار يمكن استثمارها لتفكيك سفينة واحدة
3 إلى 4 أشهر تكفي لتفكيك سفنية كبيرة في بنغلاديش
1 مليون دولار ربح تفكيك السفينة الكبيرة في شيتاجونج
90 % وأكثر من مواد ومعدات السفن يمكن الاستفادة منها وإعادة تدويرها
2 ـ 4 دولارات أجرة العامل في مقبرة السفن في شيتاجونج
200 ألف شخص يعملون في شيتاجونج
50 % من سفن العالم التي خرجت من الخدمة تفكك في شيتاجونج لأغراض الخردة
180 - 250 سفينة تفكك في شيتاجونج سنويا
300 - 400 عامل في شيتاجونج يصابون سنويا بالشلل
1.2 مليار دولار سنويا حجم سوق تفكيك السفن في شيتاجونج
14 ساعة عمل لكل عامل يوميا
400 منصة تفكيك في مقبرة آلانج الهندية
300 ـ 400 شخص يعملون في تفكيك السفينة في آلانج ويستغرقون نحو شهرين لتفكيكها