لعل أهم ما صدر في القضاء الجنائي السعودي هو إيقاف الحكم بالشبهة، وهو أن المتهم يحكم عليه وفقًا لأدلة غير قوية فقط، لأن هناك اشتباها بضلوعه في الجريمة، ولأن القاعدة المعروفة (أن تخطئ في العفو خير من أن تخطئ في العقوبة) ولاعتبارات كثيرة جدًا، إلا أن سلطان القاضي في تقدير الأدلة الجنائية يبقى واسعا فضفاضا وبحاجة للتقنين.

من المعلوم أن هناك ما يسمى بالمقاومة التنظيمية والتي تأتي عندما يكون هناك مسلك جديد في أي مجال ويعتمد هذا كثيرًا على الثقافة التنظيمية للمنظمات ومدى مرونتها وسلوك منسوبيها. مع قدوم قرار الحكم بالشبهة انتهى عصر حكم القاضي الجزائي بناء على أدلة ظرفية وملف قضية قد لا يكون أخذ حقه في البحث والتمحيص. إلا أنه من الملاحظ أن بعض الأحكام الجزائية يعتمد فيها قاضي الموضوع على تناقض الأقوال لتأصيل القضية، فكأنما الحكم بالشبهة يأتي برداء آخر في القضاء الجزائي.

القاضي الجزائي -على الأقل- في حقيقة الأمر قد يعلم أن أمامه مجرمًا عتيدًا إلا أنه معطيات القضية لا تفي بالإدانة، فاليوم الأحكام الجزائية دائرة بين الإدانة والبراءة فقط، والتوسع في البراءة هو أمر لا شك حسن ويدعو جهات الاستدلال والتحقيق من الشرطة إلى النيابة العامة وغيرها إلى تجويد مخرجاتهم لأنهم عندما لا تكون مخرجاتهم جيدة فمن المفترض أن القضاء الجزائي يمارس عليهم رقابة غير مباشرة ويخرج المتهمين بالبراءة لانخفاض مستوى ملف قضية المتهم من ناحية محاولة إدانته، ولنتذكر أن الغاية ليست الإدانة بل محاولة تحري العدالة الناجزة الشفافة ذات البعد الإنساني. لهذا فالحل هنا أن القضاة الجزائيين ينبغي عليهم التوسع في البراءة ما دام ملف القضية من جهات الاختصاص غير محكم، وحل مثل هذه الإشكالية ينبغي أن يكون مؤسسيًا نظاميًا بحيث يؤطر النظام الجزائي لسلطة القاضي تأطيرًا وتقنينًا معينًا، بحيث يكون سقف حريته في اعتبار الأدلة التي تؤدي لعقيدة حكمه في الإدانة ذات سقف محدود. فمثلًا الأدلة الجنائية تعتبر من الأدلة القوية الحاسمة، ولعل هذه مسألة دقيقة للغاية، ويبقى أن القاضي الجزائي مجتهد، ومراتب الاجتهاد متعددة، والقضاة في العلم درجات، وتأهيلهم المستمر أمر مهم. ولعل تحديد ساعات تدريبية معينة كل سنة للقضاة بشكل عام بجميع مشاربهم، هو أمر حاسم.