وهو قرار اعتبره قسم واسع من نخبة مالي وصناع القرار فيها بالخطوة الجريئة وغير المسبوقة، من شأنها أن تعيد للغات المحلية اعتبارها وتقلص من «الاستعمار الثقافي» الفرنسي.
وبحسب مضمون الدستور الجديد الذي تم اعتماده رسميا، فإن اللغة الفرنسية تحولت من لغة رسمية إلى «لغة عمل»، فيما تم اقتراح رفع اللغات المحلية المتداولة في البلاد إلى لغات رسمية.
الدستور الجديد
وصادق المجلس الدستوري في مالي على الدستور الجديد بعد استفتاء أيده %96.91، وبلغت نسبة المشاركة فيه %38.23، حسب المحكمة العليا التي رفضت جميع الطعون.
ونسبة المشاركة منخفضة عادة في مالي، لكن التصويت الذي جرى في 18 يونيو الماضي واجه عراقيل في عدد من المناطق الوسطى والشمالية، بسبب الخوف من هجمات إرهابية أو بسبب خلافات سياسية.
لغة تتدحرج
وباعتماد الوثيقة العليا الجديدة تفقد اللغة الفرنسية مركزها كلغة رسمية لدولة مالي، لتصبح لغة عمل فقط، وذلك في سياق أزمة غير مسبوقة بين باريس وباماكو، مع وصول القيادة العسكرية الجديدة إلى الحكم منذ عام 2020.
وهو قرار يمنح لغات مالي الأخرى مجالا للظهور، حيث يتحدث أكثر من ثلاثة أرباع الشعب لغة البامبارا، وهم أنفسهم غالبا ما يجيدون عدة لغات وطنية مثل العربية وبوبو وبوزو، إضافة إلى دوجون وبول وسونينكي وسونغاي وغيرها.
ووفق إعلام محلي فإن اللغة الإنجليزية تسجل أيضا دخولها بقوة في البلاد، وذلك ضمن تنامي موجة عداء للوجود الفرنسي، وضمن تمش للحد من هيمنة الفرانكوفونية.
وخلال جلسات البرلمان الانتقالي المنعقدة بالتوازي مع صياغة مسودة الدستور، طالب نواب ينتمون إلى كتل سياسية كبيرة ووازنة بضرورة اعتماد لغات رسمية جديدة لمالي بدلا من الفرنسية، مثل الإنجليزية والعربية التي تصنف ضمن اللغات الوطنية.
وهي مطالب تزامنت بدورها مع مبادرات قدمتها جهات دينية وسياسية إلى الرئيس الانتقالي العقيد آسيمي غويتا، تقاطعت جميعها عند الدعوة إلى ضرورة تصنيف العربية لغة رسمية للبلاد.
ثقافة وتاريخ
والدستور الجديد تضمن أيضا إلغاء للتنصيص على مكانة الفرانكوفونية على المستوى الثقافي والتاريخي في مالي، ما يؤكد التوجه الجدي للسلطات في الانسلاخ عن عباءة باريس للأبد، والتأسيس لقاعدة ثقافية جديدة. وعزز التوجه الرسمي نقاشات محتدمة شملت جميع أطراف المجتمع ليصبح السؤال الأكثر إلحاحا: «هل من الطبيعي أن تكون الفرنسية، بعد 60 عاما من الاستقلال، لغتنا الرسمية الوحيدة؟».
وبتأكيد التوجه بتضمينه بالدستور الجديد تبدو السلطات العسكرية ماضية في طريق الخروج عن مستعمرها السابق وحليفها الاقتصادي والسياسي والثقافي، في تمش دعمه تفاقم التوتر واتساع هوة الخلافات بين باماكو وباريس.