هذه المصادرة كثيرًا ما تعبر عن الوجهة المؤدلجة التي قرأ بها المؤلف خطاب الحركات الإسلامية المعاصرة، وهذه المصادرة تتجاوز نبيل عبدالفتاح في النص والرصاص لتطال أغلب التحليلات التي طالت ظاهرة الإسلام السياسي وارتباطها بالعنف. وقراءات عديدة لا مجال لذكرها الآن تركز على العلاقة الأيديولوجية بين المصحف والسيف بين النص والرصاص، وبين الوجه والقناع، وذلك عندما لا تكتفي بتحليل الخطاب السياسي لهذه الحركات بل تدرجه في إطار العقلية التآمرية من جهة، وفي إطار مبدأ التقية، بمعنى أنها تشكك بالليبرالية السياسية عند بعض هذه الحركات وتراها على أنها مجرد وسيلة تحتمي خلفها هذه الحركات المعادية بالمطلق للديمقراطية.
كما أشرت قبل قليل، فإن كتاب نبيل عبدالفتاح النص والرصاص، يفصح عن إرادة معرفة في قراءة ظاهرة العنف السياسي لدى الحركات الإسلامية المعاصرة ولدى ما يسميه بـ «العنف الدولتي». ولكنه أي النص والرصاص يفصح من جهة أخرى، عن ارتباط وثيق بين المعرفة والأيديولوجيا، عندما يجعل وكما أسلفنا، من العنف بنية داخل الخطاب الإسلامي، وعلاقة متعدية من النص إلى الرصاص.
إن جعل العنف بنية داخل الخطاب الإسلامي المعاصر، لا يصمد أمام أي تحليل أنثربولوجي (إنساني) للثقافة البشرية في مسيرة تطورها، ولا أمام التحليل الدقيق لسيرة الخطاب الإسلامي، من بدء صدمة الغرب وحتى اللحظة المعاصرة. وإذا كان محمد عابد الجابري يرى في كتابه المشروع النهضوي العربية (1996) أن العنف الإسلامي كما تجسده الحركات الإسلامية يستمد مرجعيته من خطاب جمال الدين الأفغاني الذي قام بتوظيف الدين في السياسة وقام بمطابقة الدين، فإن هناك إجماعًا على أن بنية الخطاب الإصلاحي الإسلامي لا تقوم على العنف.
هذا يعني أن العنف نتيجة لتجربة سياسية منقوصة، وخبرة سياسية تفتقر إلى رؤية سياسية حقيقية، وهذا ما يسجله رضوان السيد في قراءاته لظاهرة الإسلام السياسي، والذي يلمح غياب التجربة السياسية عند الشباب المسلم المنضوي في هذه الحركات، وهو ما يجعله يندفع إلى تخوم العنف في علاقته بالآخر.
جعل العنف بنية داخل الخطاب الإسلامي المعاصر، لا يصمد أمام أي تحليل أنثربولوجي (إنساني) للثقافة البشرية في مسيرة تطورها.
1998*
*باحث وكاتب سوري «1951 - 2007».