البيئة الحجازية بشتى مكوناتها بيئة غنية بتمظهرات الحياة المتمدنة منذ القدم، يرفد ذلك قربها من ميناء جدة على البحر الأحمر الذي يمثل شرفة مطلة على العالم، ووجود الكعبة المشرفة موئل المسلمين ومهوى أفئدتهم، ولهذا - ولأسباب كثيرة لا تتسع هذه المساحة لذكرها- تشكلت تلك المنمنمة الاجتماعية البديعة على صعيد الفعل الحياتي والثقافي، بيئة كهذه خضعت لعديد من الأبحاث والدراسات الأنثروبولوجية والجغرافية جديرة بأن يتناولها المبدعون والفنانون في أعمال جادة لا تقل عما رأيناه في الأعمال الدرامية السورية التي ناقشت تفاصيل الحياة في الحارة الشامية كالمسلسل الأشهر "باب الحارة" أو "أيام شامية" وغيرهما.
وأزعم أنه وحتى اللحظة لم يخرج عمل درامي يظهر تلكم الحقب التاريخية الحجازية، مع تقديرنا لكل الجهود المبذولة سابقا من مثل أعمال محمد حمزة أو "بخش إخوان" أو اللاحقة فيما يضطلع به المخرج السعودي خالد الطخيم من إبراز للمظاهر الاجتماعية في مناطق مختلفة من الوطن كما فعل في مسلسل السراج عن منطقة جازان. ولعل ضعف الإنتاج وندرة وجود الكتاب المحترفين أسهما بشكل كبير في عدم ظهور أعمال تأخذ المتلقي إلى عمق الحياة في البيت والشارع والحارة الحجازية وترسخ مكونات البيئة في ذاكرته كما رسخت مكونات البيئة الشامية أو الحارة الشعبية في مصر.
وهنا لابد من الإشارة إلى الجهد المميز الذي بذله وما يزال الأديب والكاتب يحيى باجنيد في مسلسلاته الإذاعية الحميمة والقريبة من النفس والتي تتعاطى مع اليومي المعيش بمشاركة الإذاعية المبدعة فريدة عبد الستار التي كونت ثنائيا متألقا مع الراحل سعيد بصيري في مسلسلي "كلام على قد الكلام" و"سادة سكر زيادة" اللذين تفوقا آنذاك على أعمال تلفزيونية معروفة وحظيا بنسب استماع عالية، بل إن بعض لزمات و"إفيهات" المسلسلين بقيت متغلغلة في وجدان المستمع من مثل ردود رضية "حاضر يا سِيدي.. وَهْ يا سِيدي" بكسر السين وتخفيف الياء، وبالمناسبة فهذه دعوة إلى تكريم هذا الكاتب الرائد لقاء ما قدمه في أعماله الإذاعية ومقالاته الصحفية.
وأدعوه أيضا إلى البدء في كتابة عمل درامي تلفزيوني كبير يوثق الحياة الحجازية ويرصد ملامح التطور المتعاقب بما نعرفه عن قلمه الحاذق ورؤيته النافذة لتقوم الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بعد ذلك بدورها المتوجب عليها في إنتاج العمل بما يليق ويمتع المشاهد.. وما ذلك بعزيز.