لم يطالب البرلمان الأوروبي تركيا أو الأردن بإبقاء اللاجئين السوريين لديهما، بل خص لبنان بهذه المطالبة العشوائية وغير المبررة، عدا ما فيها من انتهاك للسيادة والقوانين الدولية ومن تجاهل مشتبه به لظروف الأزمة الاقتصادية والمالية القاسية التي يعيشها لبنان. ما يزيد الاستهجان أن هذا القرار الأوروبي، غير الملزم- مبدئياً- للحكومات، وغير المعبر عن سياساتها، جاء في وقت تحاول الدول العربية التي طبعت علاقاتها مع النظام السوري أن تبني عملية متدرجة ومتكاملة مع الجهود الدولية لتأمين عودة آمنة وطوعية للاجئين. لكن يبدو أن ثمة دافعَين مترابطتين وراء القرار الأوروبي: خشية من موجات لجوء جديدة، وخشية من استمرار الاستعصاء السياسي في لبنان واحتمال تحوله الى فوضى أمنية- وهو احتمال غير وارد في تركيا أو الأردن حيث توجد دولة فاعلة، مقارنة مع دولة مغيبة في لبنان.

عن قصد أو بلا قصد، أهدى البرلمان الأوروبي إلى النظام السوري ورقة لم يكن يحتاج إليها أصلاً لمواصلة المناورة في شأن عودة اللاجئين التي تشكل بنداً دائماً في كل المؤتمرات وكل القرارات الدولية المتعلقة بسوريا. ففيما تتحادث العواصم العربية المعنية مع نظام دمشق حول سبل تطبيق «بيان عمان» ومساراته المقترحة، الإنسانية والأمنية والسياسية، فإنها لا تجد لديه خططاً أو رؤى هادفة تنم عن اهتمام بالاستثمار في الانفتاح العربي عليه، والأهم أنها لا تجد لديه حماسة لحل سياسي حقيقي للأزمة السورية. أنه معني فقط بحل أزمته الخاصة باستعادة السيطرة واستدامة السلطة بعيداً عن «طموحات الشعب السوري»، ومن وجهة نظره فإن التطبيع العربي معه يجب أن يتلخص في أمرين: إما أن يكون هناك ضغط عربي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات عنه، أو يكون هناك تمرد عربي على تلك العقوبات، سواء بدفق المساعدات المالية عليه بلا شروط وحسابات لتمكينه من تنفيذ مشاريعه و«طموحاته»، أو بالانخراط في إعادة الإعمار بمعزل عن اشتراطات المجتمع الدولي (حل سياسي، عودة اللاجئين...).

عندما تنعقد لجنة التنسيق والاتصال العربية قريباً لمراجعة ما أُحرز من تقدم في خريطة الطريق التي وضعتها لسوريا بمشاركة من النظام، لا بد أن تكون سجلت جملة ملاحظات أقل ما يقال فيها إنها لا تصب في الأهداف المرسومة في «بيان عمان». ومن ذلك، أنه لا يمكن تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية لضحايا النظام بربطها بحكومة النظام الذي أظهر كل ما لديه من بطش حيال شعبه. ولا يمكن العمل جدياً لمكافحة تهريب المخدرات فيما لا يزال إنتاج الممنوعات وتسهيل تسويقها جزءاً أساسياً من استراتيجيات النظام. ولا يمكن الموافقة بالكلام على عودة اللاجئين فيما يستمر العمل في مشاريع التغيير الديموغرافي. ولا يمكن السير بأي عملية سياسية إذا كان النظام يضع «فيتو» على مجرد ذكر القرار 2254. ولا يمكن الطلب إلى الدول العربية الراغبة في المساعدة أن تتوسط لدى واشنطن -أو تضغط عليها- لتخفيف العقوبات أو لرفعها طالما أن النظام يرفض الإفراج عن صحافي أمريكي ويستخدمه رهينة لإملاء شروطه على الولايات المتحدة...


حاول نظام دمشق قبل أيام أن يظهر كما لو أنه يتمايز عن روسيا التي عطلت قراراً في مجلس الأمن لتمديد الآلية الدولية لإدخال مساعدات إنسانية من معبر تركي لأكثر من أربعة ملايين سوري في شمال غربي سوريا. قرر النظام السماح باستخدام معبر باب الهوى لإيصال المساعدات «بالتعاون والتنسيق الكاملين» مع حكومته، مشترطاً «عدم تواصل الأمم المتحدة مع التنظيمات والمجموعات الإرهابية والهياكل الإدارية اللاشرعية المرتبطة بها، بما فيها ما تسمى الحكومة الموقتة أو حكومة الإنقاذ». جاء قرار النظام بعدما مدد الاتحاد الأوروبي الإعفاء الإنساني من عقوباته الذي كان أصدره غداة زلزال فبراير الماضي. أراد النظام بخطوته هذه تكريس الغاء الآلية الدولية لاستبدالها بترتيب «ثنائي» بشروطه بينه وبين الأمم المتحدة. وهذا ما استهدفته روسيا عملياً من استخدام «الفيتو» في مجلس الأمن.

كان بين أهم ما اتفق عليه في الاجتماع العربي الخماسي في عمان أن يكون هناك تعاون لإنهاء ظاهرة «تهريب الكبتاجون» عبر لجنة أو لجان أمنية، وفيما ظهر شيء من هذا التعاون على الحدود الأردنية وفي الاتصالات مع العراق إذا بنشاط التهريب يتطور باستخدام طائرات مسيرة. في المقابل لم تسجل المعلومات المتبادلة بين الدول أي تغيير داخل سوريا في اتجاه إغلاق مرافق الإنتاج وإنهاء عملها، وثمة اجماع لدى المصادر على أن هذه المرافق تعمل بحماية إيران والجناح الموالي لها من قوات النظام، ما يزيد الشكوك في إمكان منع التهريب بأي تنسيق عربي، علماً أنه لم يبدأ بعد.

بالنسبة إلى اللاجئين وعودتهم طُرح أخيراً مشروع مشتبه به لتعديل قانون الأحوال الشخصية، ويبدو أنه لا يزال قيد الدرس، لكن إذا اعتمد فإن وزارة الداخلية والدوائر المختصة ستقوم بموجبه بإلغاء الخانات الشخصية والعائلية لاعتبار سوريا «دائرة» أو «خانة» واحدة. ظاهرياً، يمكن أن يقدم القانون الجديد على أنه تفعيل لـ«المواطنة» و«المساواة» بين السوريين، إلا أنه يرمي واقعياً إلى أهداف غير معلنة. فهو من جهة يضيع أصول السوريين (خصوصاً اللاجئين) وانتماءاتهم، ويميع حقوقهم في أصولهم العقارية وممتلكاتهم العائلية. أما الأهم، من جهة أخرى، فإنه سيتيح للنظام والإيرانيين تثبيت تجنيس ألوف متعددي الجنسية الذين استقدمتهم إيران من عناصر ميليشيات وعائلاتهم، وكذلك نقل ملكية العقارات التي هُجر مالكوها. وفي ذلك تسهيل للتغيير الديموغرافي في مقابل عرقلة لعودة اللاجئين.

لا تعرف الأطراف العربية وحتى الدولية (والأممية) حالياً كيف يمكن تنشيط البحث عن «الحل السياسي»، ولا إذا كان مجدياً تفعيل «اللجنة الدستورية». فهناك تداول بأفكار لتعديل تركيبة اللجنة، أو تعديل مهمتها، ومعلوم أن مجرد تشكيلها استغرق ما يقارب العامين وأن اجتماعاتها الثمانية خلال ثلاثة أعوام انتهت إلى لا شيء، إذ أغرقها وفد النظام بتفاصيل ومشاحنات لم تكن في صلب عملها، والمؤكد أنه سيواصل هذا النهج لإفشالها نهائياً.

في سياق التطبيع العربي طالب النظام بمساعدته في شأن رفع العقوبات، وبالأخص في تأخير أو الغاء «قانون الكبتاجون» الأمريكي. وتوسطت سلطنة عمان لحل مشكلة احتجاز الصحافي الأمريكي أوستن تايس (منذ 2012) والطبيب السوري الأمريكي مجد كم الماظ (منذ 2016). وعقدت محادثات في مسقط شارك فيها سفير النظام في بكين عماد مصطفى وموفدون أمريكيون، إلا أنها انتهت من دون نتيجة. فالنظام طلب رفع العقوبات وانسحاب القوات الأمريكية من سوريا، ولم يقدم أي تعهد في شأن المحتجزين، علماً أن معلومات غير مؤكدة تفيد بأن الصحافي تايس سُلم إلى الإيرانيين.

* ينشر بالتزامن مع موقع «النهار العربي»