لم تكن الخسائر الاقتصادية الضخمة التي تخطت المليار يورو (أكثر من 4 مليارات ريال) التي لحقت بفرنسا وفقًا لاتحاد الأعمال الفرنسيMEDEF، هي النتائج الوحيدة التي كشفت عنها الاحتجاجات وأعمال الشغب التي اندلعت بعد إطلاق ضابط شرطة فرنسي النار علىمراهق في الـ17 من عمره انطلق عند نقطة مرورية ورفض التوقف.نهب خلال أعمال الشغب 200 متجر، ودمر 300 فرع مصرفي و250 متجرا صغيرا، إضافة إلى إضرام النيران في مئات المواقع العامةومئات السيارات ومئات المباني، قبل أن تبدأ ذروة العنف بأخذ منحى تنازلي بعد أيام عصيبة للغاية شهدتها 241 بلدية في فرنسا. وشكلت الاحتجاجات وأعمال الشغب نقطة محورية للجدل على مستوى الناس في كثير من دول العالم، بما فيهم المنطقة العربية التي انقسمكثيرون بها بين من رأوا أن ما حصل كان نتيجة لممارسات إقصائية طالت فئات كثيرة من المهاجرين إلى فرنسا وأبناءهم حتى بعد جيلين أوثلاثة من الهجرة، وبين من رأى أن البلد الذي استقطب هؤلاء لا يستحق منهم هذا الرد، وكان لكل طرف دوافعه.
متاعب
كان السبب القريب لاندلاع الأحداث هو مقتل الشاب نائل المرزوقي (17 عاماً) برصاص شرطي فرنسي خلال تدقيق مروري في مدينة نانتيرفي الضاحية الغربية لباريس في 27 يونيو الماضي، لكن هذا السبب وامتدادا آثار هزته إلى مدن فرنسية كثيرة كشف عن كثير من المتاعبوالآفات التي يعانيها المجتمع الفرنسي، والتي أبرزتها الاحتاجاجات ودفعتها إلى الواجهة.
قانون تخفيف
بالغت فرنسا بعد الأحداث الإرهابية التي شهدتها عامي 2015 و2016 في تخفيف القيود القانونية على استخدام الشرطة للأسلحة الناريةوإطلاق النار، وذلك بموجب قانون طرحته الحكومة الفرنسية في فبراير 2017.
كانت النقطة الأهم فيه أنه خفف قيود إطلاق النار من قبل الشرطة في سياق رفض الامتثال للأوامر.منذ ذلك الوقت، ارتفع عدد حوادث إطلاق النار المميتة على مركبات خلال تحرّكها إلى نحو كبير جدا، وصل إلى 5 أضعاف المعدلات السابقة.
وتوافق التخفيف القانوني للشروط مع محاولات المفتشية العامة للشرطة الوطنية المنتظمة ـ حسب كثيرين ـ حماية الموظفين الحكوميينالمستهدفين بهذه القضايا.
وثمة سعي اليوم، ربما تدفع الاحتجاجات باتجاجه بشكل أكثر جدية يتمثل بالمطالبة بإنشاء وكالة مراقبة خارجية فعلية للشرطة تتمتّع بمواردوقوّة كبيرة بحيث يتم تجنب تعاطف المفتشية العامة للشرطة الوطنية مع عناصر الشرطة المبالغين في استغلال النفوذ.
غياب الثقة
في وقت انشغل فيه كثيرون بمظاهر العنف التي شهدتها الاحتجاجات، كان المعهد الفرنسي للرأي العام، يجري استطلاعا بدت نتائجه مثيرةجدا للاهتمام، حيث أظهر أن 30 % فقط من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً يقولون إنّ لديهم «ثقة» بالشرطة، مقارنةبـ43 % لباقي السكان.
وتؤكد هذه النتيجة أنو غالبية الشباب في هذا السن لا يثقون بالشرطة، وهذه غالبية طاغية تؤكد أن ثمة خلل يحتاج إلى معالجة.
وكانت عدة منظمات غير حكومية رفعت منذ عام 2021، دعوى جماعية ضد الدولة الفرنسية أمام مجلس الدولة كان موضوعها «عمليات تمييزللتحقّق من الهوية».
أزمة عرب وملونين
يتعرض العرب المهاجرون إلى فرنسا، وكذلك الملونون إلى كثير من الممارسات التمييزية، وهي ممارسات ملحوظة وملموسة، وقد قالت «المدافععن الحقوق» وهي هيئة إدارية مستقلة تتولى مهمة المدافعة عن حقوق المواطنين أمام الانتهاكات الإدارية في تقرير لها إن «الشاب الذييُنظر إليه على أنّه أسود أو عربي معرّض أكثر بـ20 مرّة للخضوع للتوقيف والتدقيق مقارنة بعامة السكان».
وذكر تقرير آخر لـ«المدافع عن الحقوق» أن هناك ارتفاعا في أعداد الشكاوى بشأن صعوبة المعاملات الإدارية في فرنسا خصوصاللأجانب، وأنهم كذلك يواجهون صعوبات في الوصول إلى الخدمات العامة والقيام بالمعاملات الإدارية، وكذلك فيما يتعلق بحماية الطفل.
وبين التقرير الذي رصد الأحوال في عام 2022 أن عدد الشكاوى في عام 2022 بلغ نحو 125 ألف شكوى بزيادة 9 % عن 2021.
في المنطقة الباريسية لوحدها، كان عدد الشكاوى 6,540 عام 2019 ووصل إلى 21 ألفاً عام 2022، أي ارتفع بنسبة 450 %.
وجاءت 2,455 من الشكاوى بشأن العلاقة بين الشرطة والمواطنين، ويشهد هذا الملف ارتفاعا طفيفا بنسبة 2% عن 2021.
أحياء فقيرة
يعيش نحو 5.2 مليون شخص في أحياء فقيرة في فرنسا، بما يعادل 8 % من السكان، حسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء والدراساتالاقتصادية لعام 2023.
وتتلمس حتى الدولة الفرنسية الآثار السلبية لهذا الأمر ولذا وضعت خطة خصصت لها نحو 12 مليار يورو لتنفق بين 2014 و2030، علىتحسين المساكن بالأحياء التي تشكّل «أولوية» من خلال هدم الحواجز وأبراج السكن الاجتماعي في 600 حيّ، واستبدالها بمبانٍ أصغرحجماً ومفتوحة أكثر، وتتمتع باستهلاك أفضل للطاقة.
بطالة مرتفعة
في وقت تحارب فيه فرنسا لخفض بطالة الشباب بين 15 و24 عاما، وسجلت تراجعا في مستوى البطالة لهذه الفئة في السنوات الأخيرة إلاأن رقم هذه البطالة ما يزال مرتفعا للغاية ووصل في بداية العام الحالي إلى 16.6 %.
ومع ذلك، تصل البطالة بين شباب الأحياء الفقيرة إلى ضعف نسبتهم في الأحيار الأخرى المجاورة لهم.
ويعمل أغلب شباب الأحياء الفقيرة في أعمال مؤقتة بلا عقود ثابتة، وأحيانا بلا عقود مطلقا.
وحسب «المدافع عن الحقوق» فإن 41 % من الشباب بين 18 و34 عاما واجهوا تمييزا عند التوظيف بالنظر إلى الحي الذي يسكنونه،والذي يتم للكشف عنه من خلال تقديم العنوان كشرط من شروط التقدم للوظائف.
أصول تحدد المستوى
يلعب الأصل الاجتماعي للفرد دورا بالغ الأهمية في تحديد مستقبله التعليمي في فرنسا حسب دراسات أجرتها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي حول الأنظمة التربوية.وينعكس المستوى التعليمي للأفراد القادمين من أصول مهاجرة على مستقبلهم وعلى فرصهم الوظيفية وحتى على مستويات رضاهم عما يجدونه من تعامل.
وفي أجواء الاحتجاجات الأخيرة أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن المدارس التكميلية في الأحياء الفقيرة ستفتح بين 8 و6 مساء على أقل تقدير، وسيكون بإمكان الأطفال من عمر سنتين دخول روضة الأطفال في تلك الأحياء بما يحسن المستوى التعليمي.لكن حتى هذه الخطوات تبدو ناقصة في ظل مسألة التنوّع الاجتماعي، وفي ظل نقص المدرسين الذي بلغ مستوى غير مسبوق في العام الدراسي الماضي، حيث هناك 4 آلاف وظيفة تدريس شاغرة يشغلها متعاقدون لا يتمتعون بالخبرات الكافية.
صورة موازية
في المقابل، لا تبدو المسؤولية بالكامل على عاتق الدولة وجهاتها المختلفة، فثمة متاعب تتحمل العائلات مسؤوليتها، كما لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دورًا سلبيًا على مستوى التحريض، ووصل الأمر إلى حد أن وزير العدل الفرنسي إريك دوبون-موريتي ذكّر الأهل بمسؤوليتهم المدنية عن الجرائم التي يرتكبها أبناؤهم.
لكن منظمة «عائلات فرنسا» ترى أن الاستياء الذي قاد مرارًا إلى احتجاجات وتظاهرات لا تتحمله العائلات فقط؛ إذ إن له حسب المنظمة جوانب تربوية واجتماعية أخرى.
توظيف سياسي
ما إن انحسرت أعمال الشغب في فرنسا حتى بدأ توظيف الأحداث سياسيًا ـ حيث اتهمت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن الحكومة بتحويل البلاد إلى «جحيم». ولوبين من قبلها والدها جان ماري ركزا في خطاباتهما المتشائمة منذ سبعينات القرن الفائت على تأثير وجود أجانب في فرنسا، حيث سعت لوبين وأحزاب اليمين كذلك إلى إلقاء اللوم في أعمال النهب الواسعة والاشتباكات على مجتمعات من أصول مهاجرة، معظمها من مستعمرات فرنسية سابقة في إفريقيا، استقرت في ضواحي بلدات ومدن فرنسا منذ الستينات.
وأطلق اليمين المتطرف وعودًا بقمع حازم للجريمة والهجرة، وهو ما يمكن أن يجذب مزيدًا من الأشخاص.وكانت لوبين نالت 41.5% من الأصوات في الدورة الثانية من انتخابات السنة الماضية.
رد حكومي
مقابل الاتهامات اليمينية، ردت الحكومة على تهمة أن المهاجرين هم المسؤولون عن الاضطرابات التي تضرر فيها 273 مبنى تعود إلى قوات الأمن و168 مدرسة، بتأكيد وزير الداخلية جيرالد دارمانان أن 90% من قرابة 3000 شخص أوقفوا في 5 ليال من أعمال الشغب الأعنف، هم فرنسيون.
4 مليارات ريال على الأقل حجم خسائر الاحتجاجات
%90ممن ألقي القبض عليهم في الاحتجاجات فرنسيون
273 مبنى تعود إلى قوات الأمن تضررت
168مدرسة تعرضت للأضرار خلال الاحتجاجات
200 متجر على الأقل تم نهبها
300 فرع مصرفي تم تدميره
250 متجرا صغيرا تم حرقه
241 بلدية شهدت أعمال العنف
5 أضعاف حجم ارتفاع حوادث إطلاق النار المميتة من قبل الشرطة منذ 2017 %30 فقط من الشباب بين 18 و24 عامًا يقولون إنّ لديهم «ثقة» بالشرطة
20 ضعفًا عدد مرات التوقيف والتدقيق التي يتعرض لها العرب والملونون في فرنسا قياسا بعامة الناس
%9 ارتفاع أعداد الشكاوى في 2022 بشأن صعوبة المعاملات الإدارية في فرنسا خصوصا للأجانب قياسا بـ2021
5.2 ملايين شخص يعيشون في أحياء فقيرة في فرنسا
%8 من السكان في فرنسا يعيشون في تلك الأحياء
12 مليار يورو رصدت لتنفق بين 2014 و2030 لتحسين المساكن بالأحياء الفقيرة %16.6 نسبة البطالة في فرنسا بين الشباب بين 15 و24 عاما
%41 من الشباب بين 18 و34 عاما واجهوا تمييزا عند التوظيف بالنظر إلى الحي الذي يسكنونه