لا أظن أن خبراً عملياً أو تقنياً أحدث الصدمة الاجتماعية المطلوبة بمثل ما أحدثه خبر إنتاج كلية الهندسة بجامعة الملك سعود للسيارة (غزال)، رغم أن السيارة لم تعد اختراعاً ولكن: أيقظ الخبر في المجتمع تحدي الدخول إلى صلب الصناعة الثقيلة بعد أن كنا، ولا نزال، مجرد صناعة خدمات تأتي فيها العلب البلاستيكية أعقد صناعاتنا الحديثة.
بين يدي اليوم بضعة وسبعون مقالاً لأبرز كتاب الرأي في كل الصحف الوطنية، وعلى محرك البحث الإلكتروني – غوغل – تستأثر غزال بما يقرب من 6011 مشاركة تفاعلية حول القصة حتى اللحظة. وسأترك جانباً كل الذين قابلوا المنجز بالإيجاب، لأذهب للجهة المتشائمة أو حتى المتشائلة حول الفكرة. هؤلاء تشاءلوا أو تشاءموا، ومعهم كامل الحق، لأن الفعل الاجتماعي المحلي يفقد تماماً ثقته بقدرة الجامعة على إحداث التغيير وعلى الدخول في صلب الميدان الاجتماعي، تنموياً كان أم صناعياً أو حتى بحثياً نظرياً في قضايا المجتمع ومشاكله. أحدثت السيارة (غزال) صدمتها الاجتماعية، لأن المجتمع لا يثق أن طالب الجامعة الخريج من الصيدلة يستطيع صناعة حبة من البنادول، ولأن ذات المجتمع لا يثق في خريج الطب الطازج أن يضع وصفة علاجية لمرض من القطع المتوسط. أحدثت غزال صدمتها الاجتماعية، لأن المجتمع لا يثق من قبل بقدرة طالب الهندسة على – ميكنة – مسمار في قلب آلة، ولأن خريج الحاسب قد لا يستطيع تجميع جهاز حاسوب، ولأن أستاذ الاجتماع أيضاً يكتب أبحاثه للأرفف وللترقية، لا للمجتمع وقضاياه. هنا تجرأت – جامعة – لتكسر هذا التابوه، وهنا لكي يمتحن قدرة الجامعة على الدفاع عن منجزها، فلابد أن نضعها في قلب التحدث. لدينا ثلاثون شركة تأمين على شاشة الأسهم وجلها كذبة كبرى، ومن الأجدى أن ندفع هذه الملايين من القطاع الخاص في شركة للغزال أو الحصان، فلا تهم التسمية. لدينا على الدائري الشمالي بالرياض أربع جامعات بمئتي ألف طالب وطالبة ولكن! أين هو الإصرار الحقيقي وأين المبادرة أن تتحول – غزال – إلى مصنع وقوده هذه الجامعات وكوادره هم طلابها وطاقم إشرافه المعملي والبحثي هم أساتذة الجامعات من كلياتها المتخصصة؟ ومع غزال، فنحن لم ننتج سيارة ولم نخترع مستحيلاً من وادي – عبقر – أو حنيفة. هي كشفت لنا أنفسنا بمثل ما كشفت واقعنا الذي لم ينتج حتى اللحظة آلة حقيقية واحدة، رغم الإمكانات المدهشة في المال والكوادر. غزال كشفت عورة طموحنا المحدود وبساطة تفكيرنا الصناعي وحتى لو لم تستطع هذه – الغزال – أن تدير محركها أو أن تقطع المسافة من المعمل إلى بابه فإن أجمل ما فعلته أنها أحدثت الصدمة الاجتماعية المطلوبة.