خطت فلسطين بفوزها بعضوية منظمة اليونسكو أمس، خطوتها الأولى في اتجاه الاعتراف الدولي بها كدولة مستقلة، لتحقق نصراً مدوياً بعد أكثر من 60 عاماً من النضال ويرفع علمها إلى جانب أعلام الدول.
وجاء فوز فلسطين بهذه العضوية بشبه إجماع (107 أصوات من أصل 193) لأعضاء المنظمة التي عقدت اجتماعها في باريس. وعلى الرغم مما شهدته عملية الاقتراع من تعقيد وتوتر، سجّلت فرنسا موقفاً مؤيداً فاجأ الحاضرين، بعد أن لوحت كثيراً بالامتناع عن التصويت، بينما لقي الطلب الفلسطيني دعماً عربياً، وسط معارضة 14 دولة في مقدمتها إسرائيل والولايات المتحدة وكندا وألمانيا.
ولدى إعلان النتيجة عمّ فرح في القاعة في لحظة وصفها وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي بأنها "تاريخية تعيد لفلسطين بعضا من حقوقها".
وقالت وزيرة الثقافة الفلسطينية سهام البرغوثي: بالتأكيد أننا الآن وبعد حصولنا على العضوية في منظمة اليونسكو بصفتنا دولة يمكننا حماية تراثنا وثقافتنا من إسرائيل.
وقال سفير المملكة لدى اليونسكو زياد الدريس إنه "يوم استثنائي"، مؤكداً أن دعم المملكة للطلب الفلسطيني ليس جديدا، بل هو امتداد لمواقفها التي ستستمر حتى يعود الحق لأصحابه.
تمكن الفلسطينيون من الحصول على عضوية كاملة في منظمة اليونسكو بأغلبية الأعضاء، بعدما طرحت مسألة العضوية في المؤتمر العام للمنظمة الذي ينعقد حتى العاشر من نوفمبر 2011. وحملت عملية التصويت بعض المفاجآت مثل انضمام فرنسا وألمانيا للتصويت، خاصة فرنسا التي لوحت كثيرا بأنها سوف تمتنع عن التصويت إلا أنها فاجأت الجميع بالتصويت لصالح فلسطين.
وبعيدا عن نتائج المفاجآت فإن عملية التصويت على انضمام "فلسطين" لمنظمة اليونسكو تمت في مناخ شديد التعقيد والتوتر خصوصا بعدما جددت واشنطن رفضها انضمام فلسطين واعتبرته سابقا لأوانه بل وأنه سوف يأتي بنتائج عكسية. وفي الوقت الذي أملت فيه فلسطين في الحصول على عضويتها الكاملة في المنظمة واعتبرته نصرا معنويا بالنسبة لها، رأى المبعوث الإسرائيلي أن إسرائيل تقر أن الفلسطينيين سيحصلون على عدد الأصوات المطلوب للانضمام إلى اليونسكو مؤكدا على أن الدولة العبرية ستنضم إلى الولايات المتحدة في سحب تمويلها للمنظمة التابعة للأمم المتحدة خصوصا أن الأخيرة دعمها يمثل ما يقرب من 28% من ميزانية المنظمة.
وكانت الولايات المتحدة، قد منعت في التسعينات تمويل أي منظمة تابعة للأمم المتحدة تقبل بفلسطين عضوا كامل العضوية مما يعني أن اليونيسكو سوف تخسر حوالي سبعين مليون دولار من موازنتها السنوية بسبب هذه المبادرة الجريئة التي تبنتها، وهذا إضافة إلى 3% أخرى سوف تفقدها اليونسكو من ميزانيتها نتيجة سحب الدعم الإسرائيلي، حيث أكد مبعوثها على أنه لا يعتقد أنهم سيواصلون دفع مستحقاتهم السنوية قائلا: سنحذو حذو الأميركيين في ذلك، لذلك سيفقدون ربع التمويل مما سيجعل من المستحيل على اليونسكو أداء وظيفتها.
وتتخوف إسرائيل كثيرا من أن سعي الفلسطينيين أيضا للانضمام للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قد يدعمه هذا القرار (من جانب اليونسكو) بل وسوف ينسحب على العديد من الهيئات المتخصصة الأخرى التابعة للأمم المتحدة وعلى نيويورك (الجمعية العامة).
وأكد وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أن تصويت الجمعية العامة لليونسكو لصالح منح فلسطين العضوية الكاملة في هذه المنظمة الدولية يشكل "لحظة تاريخية تعيد لفلسطين بعضا من حقوقها". وقال المالكي "هذه حقا لحظة تاريخية تعيد لفلسطين بعضا من حقوقها. فلسطين مهد الديانات والحضارات".
وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبوردينة "إن هذا التصويت انتصار للإنسانية والسلام والحق الفلسطيني والقانون الدولي، مضيفا أن فلسطين الحاضنة للثقافة والتاريخ والحضارة والتراث الإنساني الموروث تحصل اليوم على حقها الطبيعي".
في حين أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند "أن الولايات المتحدة ليس لديها خيار سوى وقف التمويل بسبب قانون أميركي قديم وواشنطن لن تمضي قدما في منح 60 مليون دولار كانت تعتزم تقديمها للمنظمة في نوفمبر".
واعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن القرار يبعد احتمال أي اتفاق سلام، مؤكدة أن إسرائيل ترفض قرار الجمعية العمومية التابعة لليونسكو بقبول فلسطين كدولة عضو في المنظمة".
وقالت وزارة الخارجية الألمانية إن قبول فلسطين عضوا في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) سيجعل من الصعب تحقيق السلام في الشرق الأوسط.
وطالبت ألمانيا أثناء اجتماع اليونسكو بإرجاء التصويت على قبول فلسطين عضوا في المنظمة قائلة "إنها سترحب بفلسطين عضوا في اليونسكو في الوقت المناسب وفي ظل الظروف المناسبة. يذكر أن اليونسكو هي أولى وكالات الأمم المتحدة التي سعى الفلسطينيون للانضمام إليها كعضو كامل منذ أن تقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بطلب للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر الماضي.
إلى ذلك، أصبحت جمهورية جنوب السودان الدولة العضو 194 في المنظمة، ورفع علمها نهاية الأسبوع في باريس، بعد أن صادقت على الميثاق التأسيسي لمنظمة اليونسكو في السابع والعشرين من أكتوبر 2011 في العاصمة البريطانية.
وخلال مراسم رفع العلم التي جرت في مقر المنظمة تحدث كل من وزير الثقافة والرياضة والشباب في جنوب السودان، سيرينو أوتينجو أوفوهو وقال: "إننا ندعو الدول الأعضاء إلى المضي في دعم جهودنا حتى يتمكن بلدنا الناشئ من أن يعد مواطنيه ليتمكنوا من اللحاق بباقي العالم في مجالات إدارة التراث والتربية والبحث العلمي، إن جمهورية جنوب السودان الجديدة ترمي إلى أن تصبح عضوا فاعلا في اليونسكو وفي الأسرة العالمية للأمم". من جهتها، ذكرت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا في كلمة الترحيب بالدولة الجديدة بأن: سكان جنوب السودان الذين يبلغ عددهم 8 ملايين نسمة يواجهون تحديات كبيرة جدا، حيث إن أكثر من نصف عددهم يعيشون بأقل من دولارواحد في اليوم. وأكدت إيرينا بوكوفا على أن "اليونسكو ستكون إلى جانب أبناء جنوب السودان في تقوية النظام التعليمي ودعم تدريب المعلمين والعاملين في الحقل التربوي". يذكرأن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد صوتت على قبول جمهورية جنوب السودان عضوا جديدة في المنظمة.