الزمازمة المهنة الأكثر صعوبة
ترتبط مهنة الزمازمة بماء "زمزم"، وتتمثل وظيفة العامل في هذه المهنة بالاهتمام بشكل كبير بسقاية الحجاج وزوار بيت الحرام من ماء زمزم. وتطورت مهنة الزمازمة خلال العصور، حيث كانت مهمة العاملين فيها أكثر صعوبة من خلال نقلهم للمياه من بئر زمزم وتخزينها في أوعية فخارية تدعى "الأزيار" ومن ثم توزيعها على الحجاج وتنظيم شرابهم منها.
وقبل انتشار برادات ماء زمزم في الحرم، سكنت عائلات الزمازمة في جميع أنحاء الحرم المكي، حيث كان لكل عائلة مكان يدعى (الخلوة) يضعون فيه أوانيهم المكونة من الأزيار المغربية، والدوارق والأواني النحاسية، وذلك لسقاية الزائرين والطائفين، فيما كان المطوفين يقومون بالتنسيق مع الزمازمة لتوفير المياه للحجاج في مساكنهم أيضاً.
السدنة.. شرف يتوارثه بنو شيبة
يعود وجود مهنة سدانة الكعبة المشرفة تاريخيا، منذ أن أمر الله سبحانه وتعالى نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام برفع قواعد البيت الحرام. وسدانة الكعبة تعني العناية بالكعبة المشرفة والقيام بشؤونها من فتحها وإغلاقها وتنظيفها وغسلها وكسوتها وإصلاح هذه الكسوة إذا تمزقت واستقبال زوّارها وكل ما يتعلق بذلك إلى جانب الإشراف على مقام سيدنا إبراهيم، ويطلق البعض عليها كلمة الحجابة.
وتتوارث مهنة سدانة الكعبة المشرفة بين بني شيبة منذ أن دفع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في فتح مكة مفتاح الكعبة لعثمان بن أبي طلحة من بني شيبة في العام الثامن من الهجرة، معلناً أن هذا العمل سيبقى خالدا في بني شيبة، وقد توارثت أجيال هذه الأسرة مهمة السدانة حتى وقتنا هذا.
والسدنة كانوا هم الذين يستقبلون كسوة الكعبة ويستلمونها ويحتفظون بها عندهم في أقبية خاصة داخل الحرم المكي، وكانوا مسؤولين عن كساء الكعبة بالكامل. ومن مهتمهم أيضا العناية بالكعبة المشرفة ويحملون مفاتيحها. أما كبير السدنة فهو من يحمل مفتاح الكعبة ويتلقى الأوامر مباشرة من الديوان الملكي، وتعطى تلك الأوامر عن طريق إمارة مكة، وتفتح الكعبة بطلب من ولي الأمر مرتين؛ الأولى في الأول من شعبان والثانية في الـ15 من محرم.
وعندما يريدون فتح الكعبة لا يدخل إلا كبير السدنة برفقة 25 شخصيا منهم، وتُفتح الكعبة فقط لغسلها أو لظروف استثنائية كإصلاح خلل ما أو وجود ضيف خاص للدولة، حيث يتشرفون بأداء الصلاة داخل الكعبة.
وفي حال وفاة كبير السدنة تقام مراسم لتسليم المفتاح لخليفته في اليوم الثالث من عزائه.
الطوافة...رفاق الحجاج
مهنة ثالثة أخرى لا نجدها إلا في مكة المكرمة، وهي "الطوافة" الذين يتمثل دور أفرادها في نقل الحجاج وإرشادهم الى الطرق الصحيحة لأداء المشاعر المقدسة، وأصبح لهذه المهنة لاحقاً مؤسسة رسمية تعمل على اختيار الأشخاص المؤهلين لأداء المهمة.
والطِّوافة كلمة مشتقة من الطوّاف، حيث يهتم المطوفون بكل مناسك وشعائر الحج، وبدأت هذه المهنة بين علماء وفقهاء عائلات مكة العريقة.
والمطوِّف هو رفيق الحاج وصديقه، اختاره الله سبحانه ليقوم بخدمة ضيوف بيت الله الحرام، وتوعية الحجاج وتعليمهم الشعائر، ومساعدتهم على أداء المناسك. ومنذ القدم، ينتظر المطوفون هذا الموسم المقدس من العام إلى العام، حيث يفرحون بقدوم ضيوف الرحمن ويحتفون بهم، في مشهد تختلط فيه المشاعر بين الإنسانية والروحانية والمهنية والأخوّة.
وللمطوف دور تاريخي منذ أقدم العصور، حيث كان المطوفون يسافرون إلى البلاد المجاورة، مثل مصر والشام ليتعاقدوا مع الحجاج مبكرا قبل بدء موسم الحج.
أما المطوِّفة فهي شقيقة الرجال في مهامهم، وهي الظهير الداخلي والجندي المجهول في موسم الحج، إذ تقوم بخدمة الحاجّات وتهتم بشؤونهن، ولا يقتصر دورها على تقديم وجبات الطعام والخدمة، لكن يتعداها إلى التوعية والتعليم.
وكان للمطوّف معاونون منتشرون في مكة وجدة والمدينة المنورة يسمى الواحد منهم في جدة "الوكيل"، وفي المدينة "الدليل"، وفي مكة "الزمزمي". ويرجع تاريخ هذه المهنة إلى العهد العثماني، وتحديدا سنة 932هـ، حيث كان الأشراف في الدولة العثمانية يمنحون لأعيان مكة المكرمة شرف الطوافة، ويصدرون وثائق رسمية لهم.
يقوم المطوفون هذه الأيام بتفويج الحجاج من وإلى الجمرات حسب جدول معد سلفا، فيتفقدون أحوالهم الصحية واحتياجاتهم اليومية، وفي ثالث أيام التشريق يجري إدخال الحافلات إلى منى من أجل تفويج الحجاج إلى مكة المكرمة، وإعادة إسكانهم هناك تمهيدا لترحليهم إلى مواطنهم الأصلية.
وكان المطوفون يعتمدون اعتمادًا كاملاً في رزقهم على ما تأتي به طوافتهم للحجاج، ذلك أن الحجاج كانوا يأتون للحج لمدة طويلة، فالباخرة الهندية مثلاً كانت تأتي بحجاجها في شهر رجب وتعود لأخذهم بعد ثلاثة أشهر من انتهاء موسم الحج، وفي نصف السنة الآخر كانت هذه الفترة تسمى بفترة "البصارة" حيث كان المطوفون يشتغلون بإصلاح البيوت التي تستقبل الحجاج وغيرها من الأمور استعدادا للحج المقبل.
أما الحجاج وفي نهاية زيارتهم، فكانوا يجتمعون ليفرش أحدهم قطعة قماش بيضاء ويدعو زملاءه لـ"إكرامية المطوف: كلُ بما تجود به نفسه، علما أن الكثير من المهام كانت تتم مجانا ويؤديها المطوفون بكل ترحيب، واستمرت هذه العادة تقليدا متبعًا حتى صدر قانون في عام 1326هـ وجاء فيه أن الحاج الجاوي يدفع جنيها عثمانيا أجرة مسكن بمكة، وعشرة جنيهات هندية يدفعها حاج الهند، وخمسة ريالات مجيدية لأهل الصعيد وغزة والعراق وما إلى ذلك.